339

La perfección en los principios de los juicios

الإحكام في أصول الأحكام

Editorial

المكتب الإسلامي

Número de edición

الثانية

Año de publicación

1402 AH

Ubicación del editor

(دمشق - بيروت)

Géneros

Usul al-Fiqh
النَّبِيَّ ﷺ أَنَّ الَّذِينَ بَعَثَهُ إِلَيْهِمْ قَدِ ارْتَدُّوا، وَأَرَادُوا قَتْلَهُ فَأَجْمَعَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى غَزْوِهِمْ وَقَتْلِهِمْ» .
وَذَلِكَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ: وَكَانَ النَّبِيُّ قَدْ أَرَادَ الْعَمَلَ فِيهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لَمَا أَرَادَهُ وَلَأَنْكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ.
وَهَذِهِ الْحُجَّةُ أَيْضًا ضَعِيفَةٌ؛ أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَسَنُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، (١)، وَإِنْ كَانَ حُجَّةً، لَكِنَّهُ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ، فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ فِي بَابِ الْأُصُولِ (٢) .
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَمِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّبِيَّ أَجْمَعَ عَلَى قَتْلِهِمْ وَقِتَالِهِمْ بِخَبَرِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَأَمَرَهُ بِالتَّثَبُّتِ فِي أَمْرِهِمْ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَاهُمْ لَيْلًا فَبَعَثَ عُيُونَهُ، فَعَادُوا إِلَيْهِ وَأَخْبَرُوهُ بِأَنَّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَذَانَهُمْ وَصَلَاتَهُمْ فَلَمَّا أَصْبَحُوا، أَتَاهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَرَأَى مَا يُعْجِبُهُ مِنْهُمْ، فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ» .
الثَّانِي: أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ سَبَبِ النُّزُولِ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِي الْأُصُولِ (٣) .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ وَوَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُخْبِرَ بِخَبَرٍ لَنَا عَنِ الرَّسُولِ شَاهِدٌ عَلَى النَّاسِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَهُ اللَّهُ شَاهِدًا عَلَى النَّاسِ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولِ الْقَوْلِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْآيَةُ خِطَابٌ مَعَ الْأُمَّةِ لَا مَعَ الْآحَادِ، فَلَا تَكُونُ حُجَّةً فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى﴾ الْآيَةَ.
وَوَجْهُ الْحُجَّةِ بِهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَعَّدَ عَلَى كِتْمَانِ الْهُدَى، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إِيجَابِ إِظْهَارِ الْهُدَى، وَمَا يَسْمَعُهُ الْوَاحِدُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ فَهُوَ مِنَ الْهُدَى، فَيَجِبُ عَلَيْهِ إِظْهَارُهُ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْنَا قَبُولُهُ، لَكَانَ الْإِظْهَارُ كَعَدَمِهِ، فَلَا يَجِبُ.

(١) مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ خِلَافٌ إِلَّا أَنَّهُ فِي الْآيَةِ شَهِدَتْ لَهُ الْفِطْرَةُ وَالْعَمَلُ الْمُسْتَمِرُّ مِنْ عَهْدِ ﷺ إِلَى الْيَوْمِ، فَالْحَيَاةُ عَامَّةٌ قَائِمَةٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ خَبَرِ الْعَدْلِ وَالْفَاسِقِ، حَتَّى عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى الْعَمَلَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ.
(٢) تَقَدَّمَ مَا فِيهِمَا تَعْلِيقًا ص ٣٦ - ٤٧ - ٥٠ ج ٢.
(٣) تَقَدَّمَ مَا فِيهِمَا تَعْلِيقًا ص ٣٦ - ٤٧ - ٥٠ ج ٢.

2 / 59