190

La perfección en los principios de los juicios

الإحكام في أصول الأحكام

Editorial

المكتب الإسلامي

Número de edición

الثانية

Año de publicación

١٤٠٢ هـ

Ubicación del editor

(دمشق - بيروت)

Géneros

Usul al-Fiqh
فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَكَرُّرِهِ فِي حَقِّهِ، وَعَلَى تَأَسِّي الْأُمَّةِ بِهِ فَلَا يَخْلُو قَوْلُهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِهِ أَوْ بِنَا، أَوْ هُوَ عَامٌّ لَهُ وَلَنَا، فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ خَاصًّا بِهِ فَإِمَّا أَنْ يُعْلَمَ تَقَدُّمُ الْفِعْلِ أَوِ الْقَوْلِ أَوْ يُجْهَلَ التَّارِيخُ، فَإِنْ عُلِمَ تَقَدُّمُ الْفِعْلِ فَالْقَوْلُ الْمُتَأَخِّرُ يَكُونُ نَاسِخًا لِحُكْمِ الْفِعْلِ فِي حَقِّهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ أُمَّتِهِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْقَوْلِ لَهُمْ. وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ هُوَ الْمُتَقَدِّمَ، فَفِعْلُهُ يَكُونُ نَاسِخًا لِحُكْمِ الْقَوْلِ فِي حَقِّهِ أَنْ كَانَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الِامْتِثَالِ أَوْ قَبْلَهُ، عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجَوِّزُهُ وَمُوجِبًا لِلْفِعْلِ عَلَى أُمَّتِهِ. وَأَمَّا إِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأُمَّةِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ قَوْلِهِ لَهُمْ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْعَكْسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ الْمُعَارَضَةَ وَالْوَقْفَ إِلَى حِينِ قِيَامِ دَلِيلِ التَّارِيخِ، وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا هُوَ الْعَمَلُ لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقَوْلَ يَدُلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَالْفِعْلُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ بِوَاسِطَةِ أَنَّ النَّبِيَّ ﵇ لَا يَفْعَلُ الْمُحَرَّمَ، وَذَلِكَ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلَائِلِ الْغَامِضَةِ الْبَعِيدَةِ. الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ مِمَّا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ بِهِ عَمَّا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ كَالْمَعْقُولَاتِ الصِّرْفَةِ، وَعَنِ الْمَحْسُوسِ، وَالْفِعْلُ لَا يُنْبِئُ عَنْ غَيْرِ مَحْسُوسٍ، فَكَانَتْ دَلَالَةُ الْقَوْلِ أَقْوَى وَأَتَمَّ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَابِلٌ لِلتَّأْكِيدِ بِقَوْلٍ آخَرَ وَلَا كَذَلِكَ الْفِعْلُ، فَكَانَ الْقَوْلُ لِذَلِكَ أَوْلَى. الرَّابِعُ: أَنَّ الْعَمَلَ هَاهُنَا مِمَّا يُفْضِي إِلَى نَسْخِ مُقْتَضَى الْفِعْلِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ ﵇ دُونَ الْأُمَّةِ، وَالْعَمَلُ بِالْفِعْلِ يُفْضِي إِلَى إِبْطَالِ مُقْتَضَى الْقَوْلِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: بَلِ الْفِعْلُ آكَدُ ; فِي الدَّلَالَةِ فَإِنَّهُ يُبَيِّنُ بِهِ الْقَوْلَ، وَالْمُبَيِّنُ لِلشَّيْءِ آكَدُ فِي الدَّلَالَةِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ. وَبَيَانُهُ أَنَّ جِبْرِيلَ ﵇ بَيَّنَ لِلنَّبِيِّ ﵇ كَيْفِيَّةَ الصَّلَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَبَيْنَ مَوَاقِيتِهَا حَيْثُ صَلَّى بِهِ فِي الْيَوْمَيْنِ، وَقَالَ: " «يَا مُحَمَّدُ الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» " وَالنَّبِيُّ ﵇ بَيَّنَ الصَّلَاةَ لِلْأُمَّةِ بِفِعْلِهِ، حَيْثُ قَالَ: " «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» " وَبَيْنَ الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ بِفِعْلِهِ حَيْثُ قَالَ: " «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» "، وَقَالَ لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ: " «صَلِّ مَعَنَا» "، وَبَيَّنَ الشَّهْرَ بِأَصَابِعِهِ حَيْثُ قَالَ: " «إِنَّمَا الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» ".

1 / 192