La perfección en los principios de los juicios

Saif al-Din al-Amidi d. 631 AH
132

La perfección en los principios de los juicios

الإحكام في أصول الأحكام

Editorial

المكتب الإسلامي

Número de edición

الثانية

Año de publicación

١٤٠٢ هـ

Ubicación del editor

(دمشق - بيروت)

Géneros

Usul al-Fiqh
الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ لِلْمَقْدُورِ بِهَا مَعَ تَقَدُّمِ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ عَلَى الْفِعْلِ (١)، وَأَنَّ الْقُدْرَةَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي مَقْدُورِهَا، بَلْ مَقْدُورُهَا مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّكْلِيفَ بِفِعْلِ الْغَيْرِ حَالَةَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ (٢)، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَبَعْضِ مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ حَيْثُ قَالُوا بِجَوَازِ تَكْلِيفِ الْعَبْدِ بِفِعْلٍ فِي وَقْتٍ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَكُونُ مَمْنُوعًا عَنْهُ. وَالْبَكْرِيَّةُ (٣) حَيْثُ زَعَمُوا أَنَّ الْخَتْمَ وَالطَّبْعَ عَلَى الْأَفْئِدَةِ مَانِعَانِ مِنَ الْإِيمَانِ مَعَ التَّكْلِيفِ بِهِ. غَيْرَ أَنَّ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِهِ اخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَوَافَقَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّفْيِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَكْثَرِ الْبَغْدَادِيِّينَ. وَأَجْمَعَ الْكُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَقْلًا، وَعَلَى وُقُوعِهِ شَرْعًا كَالتَّكْلِيفِ بِالْإِيمَانِ لِمَنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ كَأَبِي جَهْلٍ خِلَافًا لِبَعْضٍ الثَّنَوِيَّةِ. وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا هُوَ امْتِنَاعُ التَّكْلِيفِ بِالْمُسْتَحِيلِ لِذَاتِهِ (٤) كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَنَحْوِهِ، وَجَوَازُهُ فِي الْمُسْتَحِيلِ بِاعْتِبَارِ غَيْرِهِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْغَزَالِيِّ، ﵀.

(١) الصَّحِيحُ أَنَّ الْقُدْرَةَ نَوْعَانِ: الْأُولَى بِمَعْنَى تَوَفُّرِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ، وَهِيَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ، فَبِهَا يَتْمَكَّنُ الْعَبْدُ مِنَ الْقِيَامِ بِمَا كُلِّفَ بِهِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ، مُطِيعٍ أَوْ عَاصٍ، وَتَكُونُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ، وَقَدْ تَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْفِعْلِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا، وَالثَّانِيَةُ بِمَعْنَى التَّوْفِيقِ، وَهَذِهِ مُقَارِنَةٌ لِلْفِعْلِ وَمَوْجُودَةٌ فِيمَنْ أَطَاعَ دُون مَنْ عَصَى، وَلَيْسَتْ مَنَاطًا لِلتَّكْلِيفِ. وَقَدْ أَثْبَتَ الْجَبْرِيَّةُ الْقُدْرَةَ بِمَعْنَى التَّوْفِيقِ، وَنَفَوُا الْقُدْرَةَ بِمَعْنَى تَوَفُّرِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ، وَذَهَبَ الْمُعْتَزِلَةُ إِلَى الْعَكْسِ. (٢) مُتَعَلِّقُ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ الْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ، وَهِيَ مُؤَثِّرَةٌ فِيهَا بِتَمْكِينِ اللَّهِ لَهَا، وَإِقْدَارِهِ لِعَبْدِهِ عَلَيْهَا. أَمَّا تَرْتِيبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَيْهَا فَمِنَ اللَّهِ، فَهُوَ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ الَّذِي يُجْرِي الْمُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا، لَا عِنْدَهَا كَمَا يَقُولُ الْأَشْعَرِيَّةُ، فَمَثَلًا: حَزَّ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ بِالسِّكِّينِ فِي رَقَبَةِ وَلَدِهِ، وَضَرَبَ مُوسَى الْكَلِيمُ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ، وَرَمَى مُحَمَّدٌ الْخَلِيلُ الْحَصَى، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْمَخْلُوقِ. أَمَّا أَنْ تَنْقَطِعَ الرَّقَبَةُ، أَوْ يَنْفَلِقَ الْبَحْرُ، أَوْ يُصِيبَ الْحَصَى جَمِيعَ مَنْ رُمِيَ بِهِ، فَإِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ رَتَّبَ ذَلِكَ فَحَصَلَ، كَمَا فِي الْأَخِيرَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحْصُلْ كَمَا فِي قِصَّة الذَّبِيحِ مَعَ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَبِذَلِكَ يَكُونُ مُتَعَلِّقُ قُدْرَةِ الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ التَّسَبُّبُ وَالْكَسْبُ غَيْرَ مُتَعَلِّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ تَمْكِينُ الْعَبْدِ وَإِقْدَارُهُ وَتَرْتِيبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَكْلِيفٌ بِفِعْلِ الْغَيْرِ، حَتَّى يَكُونَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ. (٣) الْبَكْرِيَّةُ أَتْبَاعُ بَكْرِ بْنِ زِيَادٍ الْبَاهِلِيِّ. انْظُرْ مَذْهَبَهُ فِي كِتَابِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ، وَتَرْجَمَتُهُ فِي الْمِيزَانِ لِلذَّهَبِيِّ. (٤) وَكَذَا الْمُسْتَحِيلُ عَادَةً، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي حِكْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ وَأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ.

1 / 134