La perfección en los principios de los juicios

Saif al-Din al-Amidi d. 631 AH
130

La perfección en los principios de los juicios

الإحكام في أصول الأحكام

Editorial

المكتب الإسلامي

Número de edición

الثانية

Año de publicación

١٤٠٢ هـ

Ubicación del editor

(دمشق - بيروت)

Géneros

Usul al-Fiqh
وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَقَدْ قِيلَ: الرُّخْصَةُ مَا أُبِيحَ فِعْلُهُ مَعَ كَوْنِهِ حَرَامًا، وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ. وَقِيلَ: مَا رُخِّصَ فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ حَرَامًا، وَهُوَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيفِ الرُّخْصَةِ بِالتَّرْخِيصِ الْمُشْتَقِّ مِنَ الرُّخْصَةِ غَيْرُ خَارِجٍ عَنِ الْإِبَاحَةِ، فَكَانَ فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ. وَقَالَ أَصْحَابِنَا: الرُّخْصَةُ مَا جَازَ فِعْلُهُ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُحَرِّمِ، وَهُوَ غَيْرُ جَامِعٍ، فَإِنَّ الرُّخْصَةَ كَمَا قَدْ تَكُونُ بِالْفِعْلِ قَدْ تَكُونُ بِتَرْكِ الْفِعْلِ، كَإِسْقَاطِ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ فِي السَّفَرِ. فَكَانَ مِنَ الْوَاجِبِ أَنْ يُقَالَ: الرُّخْصَةُ مَا شُرِعَ مِنَ الْأَحْكَامِ لِعُذْرٍ، إِلَى آخِرِ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ، حَتَّى يَعُمَّ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ. ثُمَّ الْعُذْرُ الْمُرَخِّصُ (١) لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِحًا عَلَى الْمُحَرَّمِ أَوْ مُسَاوِيًا أَوْ مَرْجُوحًا. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَمُوجِبُهُ لَا يَكُونُ رُخْصَةً بَلْ عَزِيمَةً، وَإِلَّا كَانَ كُلُّ حُكْمٍ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ رَاجِحٍ مَعَ وُجُودِ الْمُعَارِضِ الْمَرْجُوحِ رُخْصَةً وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. وَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا فَإِنْ قُلْنَا بِتَسَاقُطِ الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالرُّجُوعِ إِلَى الْأَصْلِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رُخْصَةً وَإِلَّا كَانَ كُلُّ فِعْلٍ بَقِينَا فِيهِ عَلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ رُخْصَةً، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِالتَّسَاقُطِ فَالْقَائِلُ قَائِلَانِ: قَائِلٌ يَقُولُ بِالْوَقْفِ عَنِ الْحُكْمِ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ إِلَى حِينِ ظُهُورِ التَّرْجِيحِ، وَذَلِكَ عَزِيمَةٌ لَا رُخْصَةٌ. وَقَائِلٌ يَقُولُ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالْجَوَازِ وَالْحُكْمِ بِالتَّحْرِيمِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ رُخْصَةً، ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ جَوَازِ الْأَكْلِ وَالتَّحْرِيمِ ; لِأَنَّ الْأَكْلَ وَاجِبٌ جَزْمًا، وَقَدْ قِيلَ بِكَوْنِهِ رُخْصَةً، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ الْمُحَرِّمُ رَاجِحًا عَلَى الْمُسْتَبِيحِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْعِلْمُ بِالْمَرْجُوحِ وَمُخَالَفَةُ الرَّاجِحِ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْأَشْبَهَ بِالرُّخْصَةِ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّيْسِيرِ وَالتَّسْهِيلِ بِالْعَمَلِ بِالْمَرْجُوحِ وَمُخَالَفَةِ الرَّاجِحِ، وَعَلَى هَذَا فَإِبَاحَةُ

(١) بَدْءُ إِشْكَالٍ لَمْ يُجِبْ عَنْهُ الْمُؤَلِّفُ، وَإِنْ كَانَ حَاوَلَ التَّخَلُّصَ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِ الثَّالِثِ، وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِاخْتِيَارِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَخِّصُ رَاجِحًا، لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ قَامَ بِهِ الْعُذْرُ خَاصَّةً زَمَنَ قِيَامِهِ بِهِ لَا مُطْلَقًا، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْمُحَرِّمُ رَاجِحًا مُقْتَضِيًا لِحُكْمِهِ الْأَصْلِيِّ الْكُلِّيِّ فِي الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ كُلِّهَا مَا عَدَا صُورَةَ التَّرْخِيصِ لِلْعُذْرِ فَلَا إِشْكَالَ.

1 / 132