159

El Gran Hawi de Mawardi

الحاوي الكبير

Editor

علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود

Editorial

دار الكتب العلمية

Número de edición

الأولى

Año de publicación

1419 AH

Ubicación del editor

بيروت

(فَصْلٌ)
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ غَيْرَ الْأَحْجَارِ يَقُومُ مَقَامَ الْأَحْجَارِ فَكُلُّ شَيْءٍ اجْتَمَعَتْ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْصَافٍ جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مُزِيلًا غَيْرَ مَطْعُومٍ وَكَانَ أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ يَقُولُ فِي حَدِّهِ: إِنَّهُ كُلُّ نَقِيٍّ مُنَقَّى وَلَا يَتْبَعُهُ نَفْسُ الْمُلْقِي، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ أَنَّهُ تَكَلُّفٌ فِي الْعِبَارَةِ يَرْغَبُ عَنْهُ الْعُلَمَاءُ، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. فَهَذِهِ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ تَجْتَمِعُ فِي الْآجُرِّ وَالْخَزَفِ وَالْخِرَقِ وَالْخَشَبِ وَمَا خَشُنَ مِنْ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ وَالْمَدَرِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْجَامِدَاتِ الَّتِي لَا حُرْمَةَ لَهَا فَأَمَّا إِذَا كَانَ ذَا حُرْمَةٍ كَالْمُصْحَفِ وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ الْمَطْبُوعِ وَحِجَارَةِ الْحَرَمِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ لِحُرْمَتِهِ، فَإِنِ اسْتَنْجَى بِهِ كَانَ مُسِيئًا وَأَجْزَأَهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ حُرْمَتُهُ تَمْنَعُ مِنَ الْإِجْزَاءِ بِهِ كَالْمَأْكُولِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ لِمَاءِ زَمْزَمَ حُرْمَةً تَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ لِقَوْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ﵁: هُوَ لشارب مخل وَبِلٌّ، فَأَمَّا الْمُغْتَسِلُ فَلَا أُحِلُّهُ وَلَا أُبِلُّهُ ثُمَّ وَلَوِ اسْتَنْجَى بِهِ مَعَ حُرْمَتِهِ أَجْزَأَهُ إِجْمَاعًا، فَأَمَّا مَا عُدِمَ فِيهِ أَحَدُ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ عُدِمَ الْوَصْفُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَكَانَ نَجِسًا إِمَّا نَجَاسَةَ عَيْنٍ كَالرَّوْثِ أَوْ نَجَاسَةَ مُجَاوَرَةٍ كَالْمَمْسُوسِ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَجْزِهِ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَقَالَ أبو حنيفة: الِاسْتِنْجَاءُ بِالرَّوْثِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِهِ ﷺ َ - لِابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ أَعْطَاهُ الرَّوْثَةَ فَأَلْقَاهَا وَقَالَ إِنَّهَا رجسٌ وَكَذَا كُلُّ رِجْسٍ وَرَوَى خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ َ - عَنِ الِاسْتِنْجَاءِ فَقَالَ: بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهَا، رجيعٌ، وَالرَّجِيعُ هُوَ الْغَائِطُ لِأَنَّهُ كَانَ طَعَامًا فَرْجَعَ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَزُلْ بِالْمَائِعِ النَّجِسِ لَمْ يَجُزْ بِالْجَامِدِ النَّجِسِ، وَإِنْ عُدِمَ الْوَصْفُ الثَّانِي فَكَانَ غَيْرَ مُزِيلٍ لَمْ يَجُزِ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالِاسْتِنْجَاءِ هُوَ الْإِزَالَةُ، وَمَا لَا يُزِيلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: مَا لَا يُزِيلُ لِنُعُومَتِهِ كَالْخَزِّ وَالْحَرِيرِ وَالْقُطْنِ.
وَالثَّانِي: مَا لَا يُزِيلُ لِصَقَالَتِهِ كَالزُّجَاجِ وَمَا تَمَلَّسَ مِنَ الصُّفْرِ وَالرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ وَالْحَجَرِ.
وَالثَّالِثُ: مَا لَا يُزِيلُ لِلِينِهِ كَالطِّينِ وَالشَّمْعِ.
وَالرَّابِعُ: مَا لا يزيل لضعفه ورخاوته كالفحم والحمم فكلما يَزِلُّ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ لَمْ يَجُزِ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ، فَأَمَّا الْكَاغِدُ فَإِنْ كَانَ عَلَى صَقَالَتِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَكَسَّرَ وَخَشُنَ جَازَ وَكَذَا أَوْرَاقُ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ مَا كَانَ مِنْهُمَا خَشِنًا مُزِيلًا جَازَ، وَمَا كَانَ مِنْهَا أَمْلَسَ لَمْ يَجُزْ، فَأَمَّا التُّرَابُ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ إِذَا كَانَ ثَخِينًا مُتَكَاثِفًا يُمْكِنُ الْإِزَالَةُ بِهِ فَأَمَّا إِذَا كَانَ مَذْرُورًا لَا يُمْكِنُ الْإِزَالَةُ بِهِ فَلَا.

1 / 167