18

The Disease and the Cure

الداء والدواء

Editorial

دار المعرفة

Número de edición

الأولى

Año de publicación

1418 AH

Ubicación del editor

المغرب

Géneros

Sufismo
أَرَادَ التَّائِبِينَ، وَفِي سُورَةِ النِّسَاءِ خَصَّصَ وَقَيَّدَ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [سُورَةُ النِّسَاءِ: ٤٨]، فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَغْفِرُ مَا دُونَهُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي حَقِّ التَّائِبِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الشِّرْكِ وَغَيْرِهِ، وَكَاغْتِرَارِ بَعْضِ الْجُهَّالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ [سُورَةُ الِانْفِطَارِ: ٦٦] فَيَقُولُ: كَرَّمَهُ، وَقَدْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ لَقَّنَ الْمُغْتَرَّ حُجَّتَهُ، وَهَذَا جَهْلٌ قَبِيحٌ، وَإِنَّمَا غَرَّهُ بِرَبِّهِ الْغَرُورُ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ، وَنَفْسُهُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ وَجَهْلُهُ وَهَوَاهُ، وَأَتَى سُبْحَانَهُ بِلَفْظِ الْكَرِيمِ وَهُوَ السَّيِّدُ الْعَظِيمُ الْمُطَاعُ، الَّذِي لَا يَنْبَغِي الِاغْتِرَارُ بِهِ، وَلَا إِهْمَالُ حَقِّهِ، فَوَضَعَ هَذَا الْمُغْتَرُّ الْغَرُورَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَاغْتَرَّ بِمَنْ لَا يَنْبَغِي الِاغْتِرَارُ بِهِ. وَكَاغْتِرَارِ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي النَّارِ: ﴿لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى - الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ [سُورَةُ اللَّيْلِ: ١٥ - ١٦]، وَقَوْلِهِ: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: ٢٤] . وَلَمْ يَدْرِ هَذَا الْمُغْتَرُّ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى﴾ هِيَ نَارٌ مَخْصُوصَةٌ مِنْ جُمْلَةِ دَرَكَاتِ جَهَنَّمَ، وَلَوْ كَانَتْ جَمِيعَ جَهَنَّمَ فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَقُلْ لَا يَدْخُلُهَا بَلْ قَالَ ﴿لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى﴾ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ صَلْيِهَا، عَدَمُ دُخُولِهَا، فَإِنَّ الصَّلْيَ أَخَصُّ مِنَ الدُّخُولِ، وَنَفْيُ الْأَخَصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْأَعَمِّ. ثُمَّ هَذَا الْمُغْتَرُّ لَوْ تَأَمَّلَ الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا؛ لَعَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهَا، فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا لَهُ أَنْ يُجَنَّبَهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي النَّارِ ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾، فَقَدْ قَالَ فِي الْجَنَّةِ: ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: ١٣٣] وَلَا يُنَافِي إِعْدَادُ النَّارِ لِلْكَافِرِينَ أَنْ يَدْخُلَهَا الْفُسَّاقُ وَالظَّلَمَةُ، وَلَا يُنَافِي إِعْدَادُ الْجَنَّةِ لِلْمُتَّقِينَ أَنْ يَدْخُلَهَا مَنْ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ.

1 / 24