172

The Disease and the Cure

الداء والدواء

Editorial

دار المعرفة

Número de edición

الأولى

Año de publicación

1418 AH

Ubicación del editor

المغرب

Géneros

Sufismo
وَالثَّانِي: قَلْعُهَا بَعْدَ نُزُولِهِ، وَكِلَاهُمَا يَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَمُتَعَذِّرٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُعِنْهُ اللَّهُ، فَإِنَّ أَزِمَّةَ الْأُمُورِ بِيَدَيْهِ.
فَأَمَّا الطَّرِيقُ الْمَانِعُ مِنْ حُصُولِ هَذَا الدَّاءِ، فَأَمْرَانِ:
مَنَافِعُ غَضِّ الْبَصَرِ
غَضُّ الْبَصَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، وَمَنْ أَطْلَقَ لَحَظَاتِهِ دَامَتْ حَسَرَاتُهُ، وَفِي غَضِّ الْبَصَرِ عِدَّةُ مَنَافِعَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ امْتِثَالٌ لِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ غَايَةُ سَعَادَةِ الْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ أَنْفَعُ مِنَ امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ، وَمَا شَقِيَ مَنْ شَقِيَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا بِتَضْيِيعِ أَوَامِرِهِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ أَثَرِ السَّهْمِ الْمَسْمُومِ - الَّذِي لَعَلَّ فِيهِ هَلَاكَهُ - إِلَى قَلْبِهِ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ يُورِثُ الْقَلْبَ أُنْسًا بِاللَّهِ وَجَمْعِيَّةً عَلَيْهِ، فَإِنَّ إِطْلَاقَ الْبَصَرِ يُفَرِّقُ الْقَلْبَ وَيُشَتِّتُهُ، وَيُبْعِدُهُ عَنِ اللَّهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْقَلْبِ شَيْءٌ أَضَرُّ مِنْ إِطْلَاقِ الْبَصَرِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْوَحْشَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ.
الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ يُقَوِّي الْقَلْبَ وَيُفْرِحُهُ، كَمَا أَنَّ إِطْلَاقَ الْبَصَرِ يُضْعِفُهُ وَيُحْزِنُهُ.
الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ يُكْسِبُ الْقَلْبَ نُورًا، كَمَا أَنَّ إِطْلَاقَهُ يُلْبِسُهُ ظُلْمَةً، وَلِهَذَا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ آيَةَ النُّورِ عُقَيْبَ الْأَمْرِ بِغَضِّ الْبَصَرِ، فَقَالَ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [سُورَةُ النُّورِ: ٣٠] .
ثُمَّ قَالَ إِثْرَ ذَلِكَ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ [سُورَةُ النُّورِ: ٣٥] .
أَيْ مَثَلُ نُورِهِ فِي قَلْبِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي امْتَثَلَ أَوَامِرَهُ وَاجْتَنَبَ نَوَاهِيَهُ، وَإِذَا اسْتَنَارَ الْقَلْبُ أَقْبَلَتْ وُفُودُ الْخَيْرَاتِ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، كَمَا أَنَّهُ إِذَا أَظْلَمَ أَقْبَلَتْ سَحَائِبُ الْبَلَاءِ وَالشَّرِّ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَمَا شِئْتَ مِنْ بِدَعٍ وَضَلَالَةٍ، وَاتِّبَاعِ هَوًى، وَاجْتِنَابِ هُدًى، وَإِعْرَاضٍ عَنْ أَسْبَابِ السَّعَادَةِ، وَاشْتِغَالٍ بِأَسْبَابِ الشَّقَاوَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكْشِفُهُ لَهُ النُّورُ الَّذِي فِي الْقَلْبِ، فَإِذَا نَفَذَ ذَلِكَ النُّورُ بَقِيَ صَاحِبُهُ كَالْأَعْمَى الَّذِي يَجُوسُ فِي حَنَادِسِ الظَّلَامِ.
السَّادِسَةُ: أَنَّهُ يُورِثُ فِرَاسَةً صَادِقَةً يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ،

1 / 178