إلى التخفيف من كثرة التأسف والأسى على ضلال الكفار، كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ (^١)، وقال: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)﴾ (^٢).
ومن هنا يظهر أن هذا الحزن على ظهور البدع وتألم السلف من ذلك، هو من باب التألم من المصائب، ومقابلتها بالاسترجاع المشروع (^٣)، قال ابن القيم عند كلامه على منازل السائرين: "منزلة الحزن وليست من المنازل المطلوبة، ولا المأمور بنزولها، وإن كان لا بد للسالك من نزولها، ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيا عنه أو منفيا. . . وسر ذلك أن الحزن موقف غير مسير (^٤). . . ولكن نزول منزلته ضروري بحسب الواقع، ولهذا يقول أهل الجنة إذا دخلوها: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ (^٥)، فهذا يدل على أنهم كان يصيبهم في الدنيا الحزن كما يصيبهم سائر المصائب التي تجري عليهم بغير اختيارهم. . . وأما قوله تعالى: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ
(^١) سورة فاطر، من الآية (٨).
(^٢) سورة الكهف، الآية (٦).
(^٣) انظر اقتضاء الصراط المستقيم (٣٠٠).
(^٤) أي إنه شيء يحصل للمسلم أثناء سيره في منازل العبودية، وليس هو مسيرا بنفسه يسلك ويقصد.
(^٥) سورة فاطر، من الآية (٣٤).