الأندلس من الفتح إلى السقوط
الأندلس من الفتح إلى السقوط
Géneros
مميزات الفترة الأولى وأبرز سماتها
تميزت الفترة الأولى من فترة الولاة ببعض الصفات: أولًا: نشر الإسلام في بلاد الأندلس، بعد أن تمكن المسلمون من توطيد أركان الدولة في بلاد الأندلس، بدأ المسلمون يعلمون الناس الإسلام، والفطرة السوية تختار هذا الدين بلا تردد، فقد وجد الأستان في هذا الدين دينًا متكاملًا شاملًا ينظم كل أمور الحياة؛ وعقيدة واضحة، وعبادات منتظمة، وتشريعات في السياسة وفي الحكم وفي التجارة وفي الزراعة وفي المعاملات، وتواضعًا للقادة، وتفاصيل عن كيفية التعامل مع الوالدين والأقارب والأولاد والجيران والأصدقاء، ومن عرفت ومن لا تعرف، وكذا مع الأعداء والأسرى، فهذه تفاصيل عجيبة جدًا ما تعودوا عليها من قبل، هم تعودوا فصلًا كاملًا بين الدين والدولة؛ فالدين عندهم عبارة عن بعض المفاهيم اللاهوتية غير المفهومة، فيأخذونها ولا يستطيعون أبدًا تطبيقها، أما التشريعات والحكم فيشرعها لهم من يحكمهم من الناس، أما الإسلام فقد وجدوا فيه أمرًا عجيبًا لم يستطيعوا أبدًا أن يتخلفوا عن الارتباط بهذا الدين، فدخلوا في الإسلام أفواجًا، وفي فترات قليلة جدًا من فتح الأندلس أصبح عموم أهل الأندلس من المسلمين، حتى إن غالبية المسلمين في بلاد الأندلس من أهل الأندلس الأصليين، وأصبح العرب والبربر قلة في هذه البلاد، لكن هذا أبدًا ما غير الحكم في بلاد الأندلس، بل أصبح أهل الأندلس هم جند الإسلام وأعوان هذا الدين، وهم الذين اتجهوا إلى فتوحات بلاد فرنسا بعد ذلك، وبدأ المسلمون يتزوجون من الأندلسيات، فتكون جيل جديد؛ الأب من العرب أو البربر والأم من الأندلسيات، ونشأ جيل عرف في التاريخ باسم جيل المولدين، الأب عربي أو بربري والأم أندلسية.
ثانيًا: بدأ المسلمون في الأندلس يلغون الطبقية، فقد جاء الإسلام وساوى بين الناس، حتى إن الحاكم والمحكوم كانا سواء بسواء أمام القضاة للتحاكم في المظالم، وقد أتاح المسلمون في هذه الفترة الحرية العقائدية للنصارى وتركوا كنائسهم، وإذا وافق النصارى على بيع كنيسة من الكنائس اشتراها المسلمون ولو بأثمان باهظة ثم يحولونها إلى مسجد، أما إن رفضوا أن يبيعوا كنائسهم تركوها لهم وما هدموها أبدًا، فانظر إلى هذا الأمر من أجل أن تقارن بين ما سيفعله النصارى في آخر عهد المسلمين في بلاد الأندلس، فيما عرف بمحاكم التفتيش بعد انتهاء الحكم الإسلامي في بلاد الأندلس.
ثالثًا: اهتم المسلمون أيضًا في هذه الفترة الأولى بتأسيس الحضارة المادية، وبتأسيس الإدارة والعمران، وبنشر الكباري والقناطر، وأنشئوا قنطرة عجيبة جدًا تسمى قنطرة قرطبة، وهي من أعجب القناطر الموجودة في أوروبا في ذلك الزمن، وأنشئوا مصانع كبيرة للأسلحة، ومصانع لصناعة السفن، وبدأت القوى الإسلامية تقوى في هذه المنطقة.
رابعًا: من السمات المهمة جدًا في عهد الولاة: أن الأسبان بدءوا يقلدون المسلمين في كل شيء، حتى أصبحوا يتعلمون اللغة العربية، وكذا الأسبان النصارى واليهود الذين كانوا يعيشون في هذه الفترة بدءوا يفتخرون بتعليم اللغة العربية في مدارسهم، وهذا لأن الأمم المهزومة تقلد الأمم المنتصرة، أما الآن فنحن نتلقى في بعض المدارس تعلم اللغة الإنجليزية، بل إن بعض المدارس الإسلامية بدأت تقيم مدارس لتعليم الأولاد اللغات في داخل البلاد الإسلامية، وتعلم الناس كل المناهج باللغة الإنجليزية؛ وهذه فتنة الحضارة الغربية والتقدم الغربي الآن، فيتركون اللغة التي شرفها الله ﷾ بأن جعلها لغة القرآن الكريم ولغة أهل الجنة.
أما الأسبان فهم معذورون في تعلم اللغة العربية؛ لأنها لغة القرآن، ووجدوا أمة غالبة ومتحضرة تتكلم بهذه اللغة، أما نحن فلا عذر لنا وقد تعلمنا اللغة التي شرفها الله ﷾ بالقرآن الكريم.
خامسًا: من سمات هذه الفترة: أنهم اتخذوا قرطبة عاصمة لهم، بدلًا من طليطلة عاصمة بلاد الأندلس سابقًا؛ لأن منطقة طليطلة كانت في الشمال وهي قريبة من بلاد فرنسا ومن منطقة الصخرة، فكانت غير آمنة أن تكون هي العاصمة، فاختار المسلمون مدينة قرطبة؛ لأنها في الجنوب؛ ولأنها قريبة من المدد في بلاد المغرب.
ومن الأشياء الهامة جدًا في هذه الفترة والمميزة لهذه الفترة الأولى في عهد الولاة هو الجهاد في فرنسا، فقد كان له خطوات كبيرة في تاريخ المسلمين في الفترة الأولى من عهد الولاة.
3 / 6