ولَعمري لو انقلبت عن ابن عبّاد - بعد قصدي له من مدينة السّلام وإناختي بفنائه مع شدّة العُدم والإنقاض، والحاجة المُزعجة عن الوطن، وصفْر الكفّ عما يُصان به الوجه؛ وبعد تردُّدي إلى بابه في غِمار الغادين والرائحين، والطامعين الرّاجين، وصبري على ما كلّفني نسخه حتى نشِبتُ به تسعة أشهرٍ خدمةً وتقرُّبا، وطلبًا للجدوى منه، والجاه عنده، مع الضَّرع والتملُّق - ببعض ما فارقت من أجله الأعزَّة، وهجرت بسببه الإخوان، وطويت له المهامِه والبلاد، وعلى جزءِ مما كان الطّمع يُدندن حوله، والنفس تحلم به، والأمل يطمئن إليه، والناس يعذرونه ويحققونه، لكنت لإحسانه من الشاكرين ولإساءته من السَّاترين، وعند ذكره بالخير من المساعدين المصدقين، وعند قرفهِ بالسُّوء من الذّابّين الممتعضين. والشاعر يقول:
من يُعطِ أثمانَ المحامد يُحمَد
والآخر يقول:
والحمدُ لا يُشتَرى إِلاّ بأَثمان