"فقد برهن [محمد - صلى الله عليه وسلم -] في انتصاره النهائي، على عظمة نفسية؛ قل أن يوجد لها مثال في التاريخ؛ إذ أمر جنوده أن يعفوا عن الضعفاء والمسنين والأطفال والنساء، وحذرهم أن يهدموا البيوت، أو يسلبوا التجار، أو أن يقطعوا الأشجار المثمرة، وأمرهم ألا يجردوا السيوف إلا في حال الضرورة القاهرة، بل رأيناه يؤنب بعض قواده ويصلح أخطاءهم إصلاحا ماديا ويقول لهم: إن نفسا واحدة خير من أكثر الفتوح ثراء ! "(1) .
"وهكذا ظهر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي كان رحمة للعالمين، وحرر الإنسانية من أصفاد الجهل والخرافة والفساد"(2) .. بل ظهر كما وصفه المفكر البلجيكي هنري ماسيه :"يتصف بالرحمة الخالصة"(3). تلك الرحمة الخالصة التي غلبت دوما - كما يبين مارسيل بوازار - على أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته، فلا "تنفك الأحاديث الشريفة والسيرة النبوية تصور في الأذهان كرم الرسول وتواضعه، كما تصور استقامته ونقاءه ولطفه وحلمه . وكما يظهره التاريخ قائدا عظيما ملء قلبه الرأفة، يصوره كذلك رجل دولة صريحا قوي الشكيمة (ديمقراطيا).."(4) .
وفوق أخلاق الرحمة التي تخلق بها النبي - صلى الله عليه وسلم - لما انتصر على أعدائه وتمكن منهم، في المعارك والفتوحات، نراه أيضا رحيما بمجرمين وأعداء - داخل الدولة - أمضوا حياتهم في دس الفتن بين المسلمين، والعمل الدائب من أجل هدم الدين والدولة، فضلا عن عمالة هؤلاء المجرمين لأعداء المسلمين خارج حدود الدولة ..
يقول "مولانا محمد على" :
Página 26