ولولا خوف الإطالة لشرحت للقارئ طرائق الباطنية في نشر الدعوة
فقد كانوا أمهر من الإنكليز والفرنسيين، والأمريكان في العصر الحديث، وكانت جنايتهم شديدة الخطر في مسخ عقول الأمم الإسلامية المسكينة، التي قيدها الجهل، ثم رماها بين أيدي طلاب الملك من العباسيين والفاطميين، فلم يرحمها أولئك ولا هؤلاء.
كان دعاة الباطنية لمكرهم ينتقلون بالطالب من حال إلى حال، فيفهمونه أولا أن الآفة التي نزلت بالأمة فشتتت شملها، وفرقت جمعها، ليس لها من سبب إلا ذهاب الناس عن أئمتهم الذين يعرفون بواطن الشريعة، لأن دين محمد - فيما يزعمون - ليس هو ما يعرفه العامة، بل هو علم خفي غامض، ستره الله في حجبه، وعظمه عن ابتذال أسراره، فلا يطيق حمله، ولا يقوم بأعبائه إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد مؤمن امتحن قلبه بالتقوى. ثم يتوغلون مع الطالب مجاهل من ظلمات الآراء والأهواء، بعضها خاص بتقديس أئمتهم، ورفعهم إلى الاختصاص بفهم أسرار التشريع، وبعضها خاص بتنظيم الدعوة ونشرها بين الناس.
وأشهر دعاة الباطنية في الشرق هو الحسن بن الصباح، الذي رحل إلى مصر، فلقي فيها الخليفة المستنصر، وتلقى بها الدعوة الباطنية، ثم عاد إلى مروة لنصرة هذا المذهب بقلمه وسيفه، فكان أول ما فعله أن استولى على قلعة (الموت) وتحصن بها، ثم ثبت قدمه في الأقطار الفارسية، بحيث كان يحسب له ولأتباعه ألف حساب، ونشبت بينه وبين السلاجقة عدة حروب.
ومن شاء الزيادة على هذا القدر من أمر الباطنية فليرجع إلى كتب التاريخ، ثم ليرجع إلى تفصيل آرائهم إن شاء في كتاب الملل والنحل للشهرستاني، فإن في آرائهم غرائب وأعاجيب، وقد ورد ذكرهم في عدة مواطن من كتب الغزالي، وعلى الأخص كتابه «فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة»، فليعد إليه من أراد أن يرى مناقشته لبعض ما يقولون.
الفصل الثالث
الحروب الصليبية
1
قد عرفت أن سلطان السلاجقة امتد على بلاد الروم، في قونية واقصرا، وما إليهما من البلاد، وعرفت كيف كان التنافس بين السلجوقيين والفاطميين، فليس من الصعب أن تعرف كيف دعا ملك الروم حملة الصليب من الإفرنج إلى قتال المسلمين، فقد أمن جانب الفواطم لعداوتهم للسلاجقة، وإنها لفرصة سانحة، لا يصح أن يضيعها طلاب الملك، وعشاق الحياة!
لجأ قيصر الروم إلى البابا رئيس النصرانية، يستصرخه لصد أعدائه السلاجقة، فرآها البابا فرصة لبسط نفوذه على ملوك أوروبا وأمرائها، فدعاهم إلى الدفاع عن النصرانية، وإخراج بيت المقدس من أيدي المسلمين.
Página desconocida