ثالثا:
أن يكون عدلا. ويناقش الغزالي هذا الشرط، ويذكر أن الأنبياء قد اختلف في عصمتهم عن الخطايا، والقرآن العزيز دال على نسبة آدم عليه السلام إلى المعصية، وكذا جماعة من الأنبياء، فلو اشترطنا في الإرشاد أن يكون متعاطيه معصوما عن المعاصي لأغلق هذا الباب.
رابعا:
أن يكون مأذونا من الإمام والوالي. وقد ناقش الغزالي هذا الشرط، ورأى أن تخصيص الاحتساب بإذن الوالي بعد إطلاقه في الأحاديث والآيات تحكم لا أصل له. وقرر أنه يجب على المرء زجر العاصي أينما رآه، وكيفما رآه.
خامسا:
أن يكون قادرا، فليس على العاجز حسبة إلا بقلبه. ولا يقف سقوط الوجوب عند العجز الحسي، بل يلتحق به ما يخاف منه مكروها يناله، فذلك في معنى العجز، وكذلك إذا لم يخف مكرها وعلم أن إنكاره لا ينفع، وقد اختلفت كلمة الغزالي في هذه النقطة ففي ص322 ج3 من الإحياء ينص على سقوط وجوب الحسبة حين يعلم أنها لا تفيد. وفي ص153 ج1 يقول: في النهي عن كشف العورة في الحمام «فأما قوله: اعلم أن ذلك لا يفيد ولا يعمل به فهذا لا يكون عذرا، بل لا بد من الذكر، فلا يخلو قلب امرئ عن التأثر من سماع الإنكار واستشعار الاحتراز عند التلبس بالمعاصي. وذلك يؤثر في تقبيح الأمر في عينه وتنفير نفسه عنه فلا يجوز تركه».
وقد توقع الغزالي أن يقول قائل: إن المكروه المتوقع ما حده الإنسان. فإن الإنسان قد يكره كلمة، وقد يكره ضربة، وقد يكره طول لسان المحتسب عليه في حقه بالغيبة، وما من شخص يؤمر بالمعروف إلا ويتوقع منه نوع من الأذى. وقد يكون منه أن يسعى به إلى سلطان، أو يقدح فيه في مجلس يتضرر بقدحه فيه، فما حد المكروه الذي يسقط الوجوب به؟
وأجاب الغزالي بأن الحسبة لا تسقط إلا بالمكروه الظاهر كمن يعلم أنه يضرب ضربا مؤلما يتأذى به، أو يعلم بأنه تنهب داره، ويخرب بيته، وتسلب ثيابه.
11
المنكر المنهي عنه
Página desconocida