جاءنا أديبكم «المازني» فتنادى أدباؤنا واحتفوا به، فكرموه حتى شبع، ومدحوه حتى استعفى.
وزاركم أديبنا «كرد علي» وقد علمت كيف مرحبوه، واحتفوا به. •••
حسن أن تسمي بيروت أحد شوارعها باسم شوقي، فإجلال النوابغ اليوم فرض كالصلاة بالأمس. وشوقي استهوته بيروت وسحره لبنان، كما فتن من قبل شعراء العبرانيين المعروفين بالأنبياء، وفيهم أكابر وأصاغر كشعرائنا اليوم. ولم يفت المتنبي أن يذكر لبنان فقال:
وجبال لبنان وكيف بقطعها
وهو الشتاء وصيفهن شتاء؟
وإن أقل المتنبي في وصف لبنان فلا بدع، فهو شاعر عشق شماريخ الآمال لا براعيم الجبال، وقد كان جرحه طريئا والمسالك شابكة، وشبح ابن خالويه يتمثل له في كل دو. كما أصاب امرؤ القيس في رحلته السياسية فلم يقل الشعر في وصف القسطنطينية، فأنكره بذلك طه حسين، وركب كتفي التاريخ مستدلا بفقد هذا الوصف على عدم وجوده ... ونسي أنه مقتول أبوه وهو يحاول ملكا أو يموت، وأنه غاب وما آب.
ودارت الأيام فعاض التاريخ لبنان بشعر شوقي، صنو المتنبي، ومحا نهوض مصر هجو أبي الطيب. فالأمة التي هال شاعر الحكمة الثائرة خضوعها لعبد، لم يرعها «الأسد» ولا فت في عضدها زئيره. فلو نشر للف بيده تلك الصفحات التي سودها بالنيل من الأمة المصرية المجيدة لأجل ذلك المخصي. قاتل الله أسود وأبيض جنيا على مصر ولبنان فحرماهما أناشيد الشاعر الخالدة.
وهل مصر ولبنان إلا شقيقان أنامتهما السياسة منذ القدم في مهد واحد، ودانا بعقيدة واحدة منذ فجر التاريخ؟
فهذا بحرنا كان مسرحا للأمتين يربطنا بأواصر مدنية ودينية، فكم حملت إلينا أمواجه «سلة البردي» تنبئنا بقيامه المعبود المشترك «أدونيس». وهل من رابطة أحلى وأمتن من العيد؟
أجل هذا «بحرنا» لا بحر الروم والرومان، ولا بحر الأسبان كما أسماه أييانيز في قصته: «ماري نوستروم» أي «بحرنا». فنحن أولا أتخمنا شواطئه وموانئه بضائع، وملأنا ظهره سفينا، كما قال ابن عمنا عمرو بن كلثوم، وحملناه أثقالنا إلى أمم الأرض من متاع ورسالة. فحول حوضنا هذا تجمعت أمم الأرض، وعلى متنه تناطحت، وسبحان وارث الأرض وما عليها.
Página desconocida