إنه البخيل يوم العيد حتى بالابتسامة، فلا يفتح شفتيه على مصراعيها، يشق باب فمه نصف شقة، وينظر إلى المعيدين وكلهم لا يسوون في نظره قرشا واحدا يفلت من الحبس.
عرفت عملاقا من هؤلاء البخلاء، فترحمت على أبي العتاهية القائل:
إنك لو تستنشق الشحيحا
وجدته أنتن شيء ريحا
كان هذا البخيل المثالي عقيما، قلت: عقيما وأنا أعني ما أقول، فجاء لداته يقولون: أنت لا تطمع في عقب، أليس من الخير أن تعطي قسما من ثروتك الوافرة إلى ابن أخيك؟
فأعمى ذلك الخبر الأسود نظره، ولكنهم لم يتركوه وشأنه، بل راحوا يداورونه. فراح يعتذر وينشر العلل. وأخيرا اهتدى إلى حل من باب: «عين لا تقشع وقلب لا يوجع.» فكتب سندا لأمر ابن أخيه يستحق بعد ثلاثين سنة.
هذه حكاية هذا البخيل العبقري. أما أنا فما عرفته إلا على أبواب التسعين، فزرته إذ ذاك ورأيته يهمهم ويدمدم، فقلت: خيرا إن شاء الله.
فقال: وأين الخير؟ كتبت سندا لابن أخي منذ ثلاثين سنة، على أمل أن يقبضه بعد موتي، وها أنا عشت ولا بد من الدفع.
فقلت: اشكر ربك إنك عشت. عيد مبارك.
فصرخ: ومن أين تأتي البركة؟ هل يجيء من الأعياد غير الخسارة؟ الموت أحب إلي من الحياة بعد فراق ألف عملية تذهب غدا من صندوقي ...
Página desconocida