فإذا صحت الرواية، وما في رواية الكتب المقدسة شك، كنت ضلعا من أضلاع الرجل، وهكذا يكون الله، تعالى وجلت قدرته، قد خصك منذ البدء بهذا الخلق، ولله في خلقه شئون، وشتان ما بين التراب واللحم، وإذا كان هذا الأخير منه قبل أن ينفح فيه روح الله.
وإذا كنت لم تخلقي على تلك الصورة فيكون القالبان قد صبا في وقت معا، ولا مجال إذن لهذا التفريق بين المخلوقين، الرجل والمرأة. إن حكاية الفردوس الأرضي تؤكد لنا المساواة بين الرجل والأنثى، فلو اعتبرها المشترع أقل عقلا من أخيها الرجل لما عوقبت مثله. فنهضة المرأة للمطالبة بحقوقها ليست بدعة جديدة، وهذا الانتقاص لم يوجد إلا يوم استبد الرجل بالأمر ووضع هو الشرائع والقوانين.
كان الرجل والمرأة قبل ذلك متساويين، ولم تحبس في قفصها الذهبي إلا عندما مدت المدنية براثنها إلى أقفال البيوت، فهب الرجل يصون كنزه الثمين من أيدي العابثين، ومن لا يفكر بأثمن ما عنده حين ينتشر الذعر ويضطرب حبل الأمن؟ فالأسوار التي رفعت حولك لم تكن إلا لصيانتك أيتها الدرة الثمينة، فارحبي صدرا بها، ولا تحاولي أن تدكيها كلها وتجعليها قاعا صفصفا.
يظن الناس أن المدنية والرقي قاما على أكتاف الرجل، أما الواقع فيرينا أن المرأة ساهمت في بنائهما، فإذا عدنا إلى فجر التاريخ، رأينا المرأة والرجل آدم وحواء، راحيل ورفقا، ويعقوب وإسحق يضربان في مجاهل الأرض عرضا وطولا. وكم رأينا الرجل عاجزا في بعض الميادين فتنبري المرأة للجهاد وتحفظ الأمة والوطن.
ولكن الرجال قالوا: الرجل أفضل من المرأة. أما التاريخ فينتصب على قدميه ليقول: لا، فهذه التوراة تنبئنا أن امرأة اسمها دبورة كانت قاضية وفيها يقول سفر القضاة (ف4 ص5):
كانت دبورة تجلس تحت نخلة بين الرامة وبيت إيل في جبل إفرائيم، وكان الرجال يصعدون إليها لتقضي لهم. وهي التي دفعت باراق لقتال سيسرا فظفر به.
بدأت بالأمر دبورة القاضية وأتمته ياعيل امرأة حاير العيني، فقتلت سيسرا، حين دخل خيمتها فارا، وأذلت الكنعانيين أمام شعبها.
ويروي الكتاب أخبارا كثيرة عن نساء أخريات ساهمن في شئون جلى فكانت لهن جولات مشهورة في جميع الميادين الاجتماعية.
وإذا تقدمنا في التاريخ إلى فجر المسيحية سمعنا القديس بولس، في إحدى رسائله، يوصي الرجال بالنساء خيرا فيقول لهم: ولا تكونوا قساة عليهن. ثم نتقدم قليلا فنسمع الحديث الشريف: رفقا بالقوارير.
لقد سماك قارورة فلا تحاولي أن تجعلي نفسك باطية
Página desconocida