36

El Fin del Mundo

آخر الدنيا

Géneros

قال: خد.

قلت، وأيامها كنت أدخن خلسة سيجارة أو سيجارتين في اليوم ... قلت متصنعا الأدب: ما بشربش.

هز رأسه في سخرية وقال: بتشرب ... خد.

وادعيت، كأنما براعته قد كشفتني، فقلت: علشان خاطرك حاخدها.

مد لي السيجارة وأشعل عود الكبريت من علبة ذات ستين عودا «ماركة الخيال»، ومد العود ناحيتي قائلا: ولع.

وآليت على نفسي ألا أشعل سيجارتي قبله وأقسمت، ولم يفعل قسمي أكثر من أنه أطفأ العود، وقرب رأسه ذات البرقع الذي كان قد رفعه ليشعل اللفافة مني، وأشعل الكبريت مرة أخرى. ولأمنع انطفاءه قربت رأسي، وليمنع انطفاءه قرب رأسه، وانفجرت الشعلة تضيء ما بيننا، وتضيء - أعوذ بالله أعوذ بالله - وجهه، وكأنما أضاءت وجه جنية، عيونها مخططة بالطول، وكأنما أضاءت وجه نعجة شيطانية مجنونة ترتدي برقعا.

سقطة السيجارة من فمي هي فقط التي عرفتني أن فمي مفتوح وأني خائف جدا، وكأن كل ما فات من خوف لم يكن سوى التثاؤب الذي يسبق المرض. أما وأنا أحدق في وجهه فهو الخوف، المرض، الحمى الباردة التي تهد الجسد وتضعضع العظام، الحمى التي ترجفني، حمى الخوف التي أدركها بوعي محسوسة ملموسة.

ورغم هذا ما أعجب قدرتنا! ما أعجبنا نحن بني الإنسان! لو كنت حيوانا ... وأحسست بمثل ما أحسست لفقدت السيطرة على نفسي، ولظللت أجري وأركض رعبا حتى لقيت حتفي، ولكنني في اللحظات التالية كنت بقدرة الخوف الخارقة قد ملكت السيطرة على نفسي تماما، جلست بجواره أيضا أدخن السيجارة العربي «الملكونيان» التي عزم علي بها، وأدوخ ... فقد كنت حديث العهد بالتدخين وبابتلاع الدخان، وأرد على أسئلته بثبات أو بمحاولات جادة يائسة الثبات غالبا ما كانت تنجح، وغالبا ما كانت إجاباتي تخرج مفهومة معقولة تكاد تبدو طبيعية ... سألني عن دارنا، وأين هي من جلستنا ، وسألني أين كنت، ومع من، وماذا قلت لهم، وماذا قالوا لي، وماذا يقول الناس عنه ... ولم يفتني وأنا في حالتي التي أتأرجح فيها بين «الهي والهوى» تلك أن ألاحظ غبطته الساذجة لكل كبيرة وصغيرة قلتها له نقلا عن الناس، بل وألفتها أيضا. وما أيسر التأليف علي وأنا أحاول أن أرضيه، وأجعل أقوالي كمرآة مكبرة يرى فيها حجمه مضاعفا وبطولاته أطول من المآذن وسعف النخيل.

وأنا آخذ آخر أنفاس سيجارتي، كانت المشكلة لا تزال تلسعني، ولا أزال أريد أن أقول له كم حاولت أن أراه وألقاه، وأشهد عم خليل و«طيارته» غير بعيدة على أقوالي، وأتردد لا لشيء إلا لخوفي من أن يفسر رغبتي في رؤيته تفسيرا يجلب غضبه. وأخشى ما كنت أخشاه لحظتها أن أقول كلمة أو أقدم على حركة تثير غضبه، بل كان يخيل لي أحيانا أنه سيغضب فجأة من تلقاء نفسه كالمجاذيب وأهل الله ... وكأن أخلاق أهل الليل قريبة الشبه جدا من أخلاق أهل الله. ولكنني نسيت المشكلة تماما، بل نسيت نفسي والمكان والزمان في طرفي الكماشة اللذين أطبقا على بلبلة أذني، وأنا أدفن بقايا السيجارة في طين القيد.

6

Página desconocida