ثم لا تكون نتيجة هذا البحث إلا الخيبة والفشل، والتحسر الدائم على ما فقد وضاع من تراث الآباء. ذلك كان موقفي عند ما قرأت مروج الذهب للمسعودي لاول مرة، ولطالما أمضيت الايام في البحث، وأضنيت النفس في التنقيب عن كتبه، ولا سيما عن كتاب أخبار الزمان الذي هام به العلماء، لا فراط المسعودي في تقريظه، وإلماعه بما تضمنه من علوم وأبحاث مفيدة - اعتقدت أن في العثور عليه إشباعا لرغباتي العلمية، بل ظننت أن سعادة العالم رهينة بما قد ضمنه ذلك الكتاب من حلول لمسائل علمية معقدة، ومشكلات لم يصل العلم إلى حلها، ولا سيما مسائله الفلسفية، وما وراء الطبيعة، وأخباره الطريفة.
ولم أكن فريدا في الشعور بتلك الحالة، بل ذلك شأن كل من يقرأ كتب المسعودي، أو يلم بها بعض الالمام.
ولقد حدثت أن مستشرقا استهواه علم المسعودي، وأسلوبه الجذاب،
وفتنته إحالاته العجيبة، فبحث أولا بنفسه، ثم لجأ إلى حكومته فأمدته بالمال، فظل يبحث ويتابع البحث، حتى عثر على نسخة من كتاب " أخبار الزمان " في مدينة شنقيط بصحراء افريقية، فرام شراءها، وبذل فيها ثمنا عاليا، فما سمحت أنفس الشناقطة ببيعها، ولا رضوا أن يستبدلوها بالذهب الوفير.
فلما أعياه شراؤها عرض عليهم أن يصورها بالفتوغرافيا نظير مبلغ من المال جسيم، فما اعاروا عرضه ذلك التفاتا، بل منعوه النظر إليها والاستمتاع بها.
Página 9