أَخْبَار مُلُوك بني عبيد وسيرتهم لأبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمَّاد
1 / 1
المخطوط الْحَمد لله
قَالَ الشَّيْخ الْفَقِيه الأعلم الأعرف الأوحد الْعَالم القَاضِي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمَّاد
1 / 33
الْحَمد لله الَّذِي لَا يزَال ملكه وَلَا ينْتَقل ملكه وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد الَّذِي نسخت مِلَّته الْملَل وفسخت دولة مِلَّته الدول
فَهَذِهِ جملَة من أَخْبَار بني عبيد الله قيدتها فِي هَذَا التَّأْلِيف فبعضها التقطته من مفرقات التواليف وَبَعضهَا عرفني بِهِ من وثقت مِنْهُ بالتعريف وَدَعَانِي إِلَى هَذَا التَّأْلِيف مَا دَعَا المؤلفين المؤرخين إِلَى أَمْثَاله وَمَا من شَيْء إِلَّا وَقد أفرغ فِي قالبه ونسج على منواله وَللَّه الْحَمد من قبل وَمن بعد وَمِنْه يسْأَل العون وَالْقَصْد
1 / 34
عبيد الله
اخْتلف النَّاس فِي نسبه إِلَى الْحُسَيْن بن على ﵉ فَمن مُسلمين مَا ادَّعَاهُ ومقرين بِمَا حَكَاهُ وَمن دافعين وَمَا نعين مَا انتحله وَلَا يزالون مُخْتَلفين إِلَّا من رحم الله فَالَّذِي ادَّعَاهُ هُوَ أَنه عبيد الله بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب رضى الله عَنْهُم وَالَّذِي ادَّعَاهُ النَّاس لَا برهَان عَلَيْهِ فَلَا حَاجَة لي إِلَيْهِ
ولد عبيد الله بسلمية من بِلَاد الشَّام وَقيل بِبَغْدَاد
1 / 35
سنة ٢٦٠ وَوصل إِلَى مصر فِي زِيّ التُّجَّار وَهُوَ يطْلب الْأُمُور الْكِبَار سنة ٢٨٩ والطلب عَلَيْهِ من بني الْعَبَّاس حثيث والكتب تنفذ إِلَى سَائِر الْأَمْصَار وَعَامة الأقطار باسمه وَصفته وزيه وهيئته وَبِأَن يقبض عَلَيْهِ مَتى عرف وَأَن يثقف مَتى ثقف فَلم يزل بِكُل بلد تذكى عَلَيْهِ الْعُيُون وتظن بأشياعه الظنون ويخلص من أَيدي الْحُكَّام وولاة الْأَحْكَام خلاص الْأَمْن من نسج المرام إِلَى أَن وصل إِلَى سجلماسة إِمَّا بِعلم سبق وَإِمَّا بِشَيْء اتّفق
فَظهر بهَا فِي يَوْم الْأَحَد السَّابِع من ذِي الْحجَّة سنة ٢٩٦ فَأخذ هُوَ وَابْنه أَبُو الْقَاسِم واعتقل وَقيد كِلَاهُمَا بالحديد وأثقل وَفِي خلال هَذَا أَقَامَ أَبُو عبد الله هُوَ وَالْحُسَيْن بن أَحْمد بن مُحَمَّد وَيعرف بالمحتسب يُقَال إِنَّه كَانَ محتسبا بسوق الْغَزل بِالْبَصْرَةِ وَيُقَال إِن
1 / 36
الْمَعْرُوف بالمحتسب هُوَ أَخُوهُ أَبُو الْعَبَّاس وَيعرف أَبُو الْعَبَّاس بالمخطوم أَيْضا وَيعرف أَيْضا أَبُو عبد الله بالمعلم لِأَنَّهُ كَانَ يعلم النَّاس مَذْهَب الإمامية الباطنية وَفِيهِمْ ألف الإِمَام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ كتاب المستظهري بِأَمْر المستظهر صَاحب بَغْدَاد
فَلَمَّا تمّ لأبي عبيد الله مَا أَرَادَ قاد الأجناد والأنجاد واستفتح المدن وَملك الْبِلَاد وَبنى بِموضع يعرف بإيكجان على مقربة من قسنطينة مَدِينَة وسماها دَار الْهِجْرَة وسمى أَتْبَاعه وأشياعه من
1 / 37
كتامة وَغَيرهم الْمُؤمنِينَ وَإِذا ركب نَادَى مناديه فِي الْجَيْش يَا خيل الله اركبوا وَكتب على أفخاذ الْخَيل الْملك لله وَكتب فِي بنوده سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر وآيات كَثِيرَة من الْقُرْآن وَنقش فِي خَاتمه الَّذِي يخْتم بِهِ فتوكل على الله إِنَّك على الْحق الْمُبين وَفِي خَاتمه الَّذِي يخْتم بِهِ على السجلات تمت كلمة رَبك صدقا وعدلا لَا مبدل لكلماته وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم
ثمَّ وطئ إفريقية وملكها عنْوَة وَكَانَ زِيَادَة الله آخر مُلُوك بني الْأَغْلَب من عُمَّال بني الْعَبَّاس فِيهَا وأمرائهم عَلَيْهَا فَلَمَّا فل الشيعي على ملك بني الْأَغْلَب جموعه وَملك عَلَيْهِ ملكه جَمِيعه شمر أذياله وَضم أثقاله وَاتخذ اللَّيْل جملا وَسَار من رقادة
1 / 38
قبيلا متحملا وَكَانَت رقادة دَار ملك بنى الْأَغْلَب وَتوجه إِلَى الشرق متخلصا بحريعة الذقن فِي سنة ٢٩٦ هـ
وَأَقْبل الشيعي إِلَى رقادة فِي سَبْعَة عَسَاكِر فِيهَا ثَلَاثمِائَة ألف بَين فَارس وراجل فَدخل رقادة وَبَين يَدَيْهِ رجل يقْرَأ ﴿هُوَ الَّذِي أخرج الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب من دِيَارهمْ لأوّل الْحَشْر﴾ الْآيَة و﴿كم تركُوا من جنَّات وعيون﴾ الْآيَة
فَنزل بِالْقصرِ الْمَعْرُوف بقصر الصحن وَأمر بقتل السودَان من موَالِي بني الْأَغْلَب فَقتلُوا عَن آخِرهم وكبوا على مناخرهم
1 / 39
وَوجه إِلَى طرابلس فأوتي مِنْهَا بأَخيه أبي الْعَبَّاس المخطوم وَكَانَ مَحْبُوسًا بهَا وبأم أبي عبيد الله وَكَانَت هُنَاكَ مَعَ الحوزان
ثمَّ توجه بملء الأَرْض من الْخَيل وَالرِّجَال إِلَى سجلماسة فِي سنة ٢٩٦ الْمَذْكُورَة واستخلف على إفريقية أَخَاهُ أبارك تَمام بن معارك فوصل إِلَى سجلماسة وأحاط بهَا وحازها وافتتحها واستنقذ عبيد الله وَابْنه أَبَا الْقَاسِم وقاد لَهُ فرسا عتيقا فَرَكبهُ وَخرج من الْموضع الَّذِي اعتقل فِيهِ وَقد لبس ثيابًا نفيسة فاخرة وتردى
1 / 40
برداء سرب وانتعل نعلا عَرَبِيَّة وَكَانَ ملبسه أبدا سريا وطيبه كثيرا وَسلم عَلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ فِي شهر ربيع الآخر سنة ٢٩٧
وَتوجه إِلَى إفريقية فَنزل رقادة وَأقَام بهَا إِلَى أَن بنى المهدية ونسبها بالمهدية إِلَى نَفسه وَكَانَت تسمى حمة وجزيرة القار وَكَانَ لَهُ بصر بِعلم النُّجُوم فاختطها بطالع الْأسد لِأَنَّهُ برج ثَابت وَلذَلِك ثبتَتْ وَلِأَنَّهُ بَيت الشَّمْس الَّذِي هُوَ دَلِيل الْمُلُوك وَلذَلِك كَانَ الْملك فِيهَا وَعَاد بعد استيطانه القيروان إِلَيْهَا بِإِذن الله ﷿ وعَلى رَأْي أهل الصناعات النجومية وَفِي وَضعهَا ببرج الْأسد يَقُول أَبُو عبيد الله بن حبوس الفاسي فِي سيدنَا الْخَلِيفَة الإِمَام الأول أَمِير الْمُؤمنِينَ ﵃ ... بطالع الْأسد اختط الْبناء بهَا ... لكنك الْأسد الدامي الأظافير ...
1 / 41
وَبنى بهَا قصره الْمَعْرُوف بِهِ وَهُوَ بَاقٍ إِلَى الْآن وَبنى قصرا لأبنه أبي الْقَاسِم وَبنى دَار الصِّنَاعَة الْمَوْجُودَة فِيهَا إِلَى الْيَوْم وَأمر بهدم قُصُور بني الْأَغْلَب بِجَمِيعِ بِلَاد إفريقية وتخريبها وطمس معالمها ومحو آثارها ورسومها وَجعل للمهدية أبراجا من جِهَة الْبر وَهِي الْجِهَة الغربية وَلَيْسَ الْبر مِنْهَا إِلَّا من هَذِه الْجِهَة وَجعل لَهَا بَابَيْنِ من حَدِيد صرف وَفِي ذَلِك يَقُول ابْن حبوس من القصيدة الْمَذْكُورَة ... بَاب حَدِيد وأبراج ثَمَانِيَة ... تسخر الْعقل فِيهِ أَي تسخير ...
وَرمى عبيد الله بِسَهْم من الْبَاب إِلَى مَوضِع الْمصلى وَقَالَ إِلَى هَا هُنَا يبلغ صَاحب الْحمار يَعْنِي أَبَا يزِيد مخلد بن كيداد الأباضي الْخَارِج عَلَيْهِم فِي أَيَّام أبي الْقَاسِم الْقَائِم بن عبيد الله وَقَالَ أَنا بنيتها لصيانة ألف رياضة فِيهَا وَلَو سَاعَة من نَهَار يَعْنِي
1 / 42
سَاعَة وُصُول أبي يزِيد مخلد بن كيداد إِلَى الْمصلى وانحياش النَّاس مِنْهُ فِي المهدية وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَمر بلغ إِلَى الْمصلى ثمَّ انهزم وَلم يزل مُنْهَزِمًا من جِهَة إِلَى جِهَة وَالنَّاس كلهم لَهُ حَرْب إِلَى أَن نقض وانقرض على مَا يَأْتِي ذكره فِي أَيَّام إِسْمَاعِيل الْمَنْصُور
وَاسْتقر عبيد الله بالمهدية سنة ٣٨ وَقتل أَبَا عبيد الله الدَّاعِي وأخاه أَبَا الْعَبَّاس بن زنادة يَوْم الثُّلَاثَاء سنة ٢٩٨ ببستان فِي الْقصر وَأمر بهما فغسلا وكفنا وَصلى عَلَيْهِمَا وَأَقْبل على أبي عبد الله فَقَالَ رَحِمك الله أَبَا عبد الله وجزاك الله فِي الْآخِرَة بِتَقْدِيم سعيك والتفت إِلَى أبي الْعَبَّاس فَقَالَ وَلَا رَحِمك الله يَا أَبَا الْعَبَّاس فَإنَّك صددته عَن السَّبِيل وأوردته موارد الْهَلَاك ثمَّ قَرَأَ ﴿وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن نقيض لَهُ شَيْطَانا﴾ الْآيَة وَأمر بدفنهما فِي موضعهما الَّذِي قتلا فِيهِ من الْبُسْتَان ثمَّ قتل جَمِيع من والاهما من شُيُوخ كتامة وَقيل لِأَنَّهُمَا ارتدا عَلَيْهِ وَقَالا لكتامة إِنَّا غلطنا فِيهِ وَأَن الإِمَام الَّذِي دَعونَا إِلَيْهِ لَهُ عَلَامَات وَيَأْتِي بآيَات ويطبع بِخَاتمِهِ فِي الْحجر كَمَا يطبع فِي الشمع
وخلص لِعبيد الله الْأَمر وَصفا لَهُ الْملك فَملك إفريقية كلهَا
1 / 43
وَالْمغْرب بأسره وأطرابلس وجربة وصقلية وَوجه ابْنه وَولي عَهده أَبَا الْقَاسِم إِلَى ديار مصر دفعتين الأولى مِنْهُمَا فِي سنة ٣٠١ فَملك الأسكندرية والفيوم وجبى خراجهما وخراج بعض عُمَّال الصَّعِيد وَالثَّانيَِة فِي سنة ٣٠٦
وَكَانَ المقتدر بن المعتضد بن الْمُوفق المتَوَكل صَاحب بَغْدَاد
1 / 44
قد وَجه لمدافعته ومحاربته فِي الدفعتين مؤنسا الْخَادِم الَّذِي يعرف بالفحل ويدعى المظفر وَكَانَت بَينه وَبَين حسابة بن يُوسُف الكتامى وَهُوَ أحد قواد كتامة حروب ووقائع كَثِيرَة مبيدة مبيرة وَكَانَ جَيش أبي الْقَاسِم فِي الدفعة الْأَخِيرَة خَمْسمِائَة ألف فعرضه عِنْد رجعته فَوَجَدَهُ خَمْسَة عشر ألفا أفناهم الْقَتْل والجوع والوباء وَخرج أَبُو الْقَاسِم إِلَى الْمغرب فِي جَيش عَظِيم لتسْع لَيَال مضين من صفر سنة ٣١٥ وَقد كَانَ مُحَمَّد بن خزر الزناتي من زعمائهم وكبرائهم وعظمائهم قبل ذَلِك أوقع بعسكر كتامة عَلَيْهِ أَبُو عروس وَإِسْحَاق بن خَليفَة قائدان مِنْهُم وَعظم الْخطب فِي الْمغرب وتفاقم الْأَمر مَعَ مَا تقدم قبل ذَلِك لَهُ من قتل مصالة بن حبوس وَغَيره من قوادهم أَيْضا فَلَمَّا وصل أَبُو الْقَاسِم إِلَى الْمغرب توغل أَبُو خزر فِي الصَّحَارِي على المهاري وهدن أَبُو الْقَاسِم الْمغرب وَقضى مِنْهَا المأرب وَانْصَرف وَفِي انْصِرَافه هَذَا مر بوادي سهر فاختط مَدِينَة المسيلة رسمها برمحه
1 / 45
وَهُوَ رَاكب على فرسه وَأمر على بن حمدون الجذامي الْمَعْرُوف بِابْن الاندلسية أَن يبنيها ويحصنها ويحسنها وسماها المحمدية باسمه
وَهَذَا يدل على أَن اسْمه مُحَمَّد بِخِلَاف من يَقُول أَن اسْمه عبد الرَّحْمَن فبناها وَجعل لَهَا بَابَيْنِ وسمى أَحدهمَا بَاب القاسمية منسوبة إِلَى أبي الْقَاسِم وسمى الثَّانِي بَاب الْأُمُور ووصلت هَذِه الْمَدِينَة من الْعِمَارَة والحضارة وَملك عَليّ بن حمدون فِيهَا وابناه جَعْفَر وَيحيى إِلَى الْغَايَة القصوى والأمد الْأَقْصَى وَأمر أَن يدّخر فِيهَا الأقوات وأنواع المأكولات وكل مَا تنضم إِلَيْهِ الضَّرُورَة فَفعل وَزَاد فاحتفل وَكَانَ إِذا ارْتَفَعت الأسعار وأغبت الأمطار يكْتب إِلَى أبي الْقَاسِم وَهُوَ ولي عهد أَبِيه وَبعد إفضاء الْأَمر إِلَيْهِ يَسْتَأْذِنهُ فِي البيع ويعلمه بِمَا فِي ذَلِك من الزِّيَادَة والنفع فيأباه وينهاه ويأمره بالاستكثار والادخار ويعلمه أَنه سيحتاج إِلَيْهِ ويضطر نَحوه فَلم تزل تِلْكَ الْأَطْعِمَة مصونة مختزنة
1 / 46
إِلَى فتْنَة أبي يزِيد وَخرج إِسْمَاعِيل الْمَنْصُور إِلَيْهِ وَأَتْبَاعه فَكَانَت عونا لَهُ ولأنجاده وإمداده عِنْد وُصُوله إِلَى جبل كياتة وحصره أَبُو يزِيد فِيهَا وَبَين المسيلة والجبل الَّذِي حصره فِيهِ وَهُوَ المطل على القلعة وَسَيَأْتِي ذكره بعد هَذَا اثْنَا عشر ميلًا فَكَانَت ميرتهم مِنْهَا وارتفاعهم بهَا وَلم يكن فِي تِلْكَ الْجِهَات إِذْ ذَاك مَدِينَة غَيرهَا
وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم يركب بالمظلة فِي أَيَّام أَبِيه وباسمه كَانَت تنفذ الْكتب والعهود وَإِلَيْهِ ترفع الْمسَائِل وَعَلِيهِ تفد الْوُفُود وَكَانَ أَبوهُ كلفا بِهِ شَدِيد الْمحبَّة لَهُ متيمنا لكل مَا عَسى أَن يَفْعَله وَكَذَلِكَ هُوَ كَانَ لِأَبِيهِ بارا بِهِ ممتثلا لأَمره مغتنما لمرضاته والمظلة الَّتِي اختصوا بهَا من دون سَائِر الْمُلُوك شبه درقة فِي رَأس
1 / 47
رمح محكمَة الصَّنْعَة رائقة المنظر ظرف من الصِّنَاعَة فِي الصياغة ونظم الْأَحْجَار الغالية مَا يروق مرآه ويدهش من رَآهُ يمْسِكهَا فَارس من الفرسان يعرف بهَا فَيُقَال صَاحب المظلة وَكَانَت عِنْدهم خطة يتداولها من يؤهل لَهَا فيحاذى بهَا الْملك من حَيْثُ كَانَت الشَّمْس يَقِيه حرهَا بظلها وَفِيه يَقُول مُحَمَّد بن هَانِئ الأندلسي من قصيدة يمدح بهَا معد الْمعز الَّذِي يَأْتِي ذكره ... وعَلى أَمِير الْمُؤمنِينَ غمامة ... نشأت تظلل تاجه تظليلا
نهضت بِمثل الدرْع ضوعف نسجه ... وَجَرت عَلَيْهِ عسجدا محلولا ...
وَلَا يعلم أحد من الْمُلُوك اتخذ هَذِه المظلة إِلَّا بَنو عبيد خَاصَّة
1 / 48
ثمَّ ملك الرّوم بصقلية وَحسب أَنهم أهدوها إِلَيْهِ فِي بعض هداياهم وَكَأَنِّي سَمِعت هَذَا
وَتوفى عبيد الله يَوْم الِاثْنَيْنِ الرَّابِع عشر من شهر ربيع الأول سنة ٣٢٢ وكسف الْقَمَر فِي تِلْكَ اللَّيْلَة كسوفا كليا وَكَانَ عمره اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة أَو ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة وَكَانَت وَفَاته من دَوَاء سقَاهُ إِيَّاه ابْن الجزار يُقَال إِنَّه حب السورنجان لنقرس كَانَ يشكوه وَكَانَ إِسْحَاق الإسرائيلي نَهَاهُ عَنهُ
1 / 49
وأعلمه أَنه يجد على أَثَره إفاقة ثمَّ يشْتَد عَلَيْهِ وَقد يهلكه فَلم يقبل قَوْله لشدَّة مَا يجده فَوجدَ تِلْكَ الْإِفَاقَة ثمَّ مَاتَ
وكتم أَبُو الْقَاسِم مَوته شهرا وَقيل عَاما كَامِلا حَتَّى نفذ جَيْشًا لبرقة ليشغل الْمشرق وجيشا إِلَى تاهرت ليشغل الْمغرب ثمَّ أذاع مَوته وَأظْهر وَفَاته وَوجد عَلَيْهِ وجدا شَدِيدا وحزن حزنا ظَاهرا وَأمر بالبكاء عَلَيْهِ بالقيروان وَغَيرهَا من الْأَمْصَار وَلم يركب دَابَّة بالمهدية مُنْذُ مَاتَ إِلَى أَن توفى هُوَ حزنا وَبرا وتكرمة لتربة دفن فِيهَا
وَكَانَ مِمَّا أحدث عبيد الله أَن قطع صَلَاة التَّرَاوِيح فِي شهر رَمَضَان وَأمر بصيام يَوْمَيْنِ قبله وقنت فِي صَلَاة الْجُمُعَة قبل الرُّكُوع وجهر بالبسملة فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة وَأسْقط من أَذَان صَلَاة الصُّبْح الصَّلَاة خير من النّوم وَزَاد حَيّ على خير الْعَمَل مُحَمَّد وعَلى خير الْبشر وَنَصّ الْأَذَان طول مُدَّة بني عبيد بعد التَّكْبِير والتشهدين حَيّ على الصَّلَاة وَحي على الْفَلاح مرَّتَيْنِ حَيّ على خير الْعَمَل مُحَمَّد وعَلى خير الْبشر مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ لَا إِلَه إِلَّا الله مرّة ثمَّ يَقُول
أحياك الله يَا مَوْلَانَا حَافظ نظام الدُّنْيَا وَالدّين جَامع شَمل
1 / 50
الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين وأعز بسلطانك جَانب الْمُوَحِّدين وأباد بسيوفك كَافَّة الْمُلْحِدِينَ وَصلى عَلَيْك وعَلى آبَائِك الطاهرين وأبنائك الأكرمين صَلَاة دائمة إِلَى يَوْم الدّين وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين
وَفِي أَيَّام بني عبيد فِي سنة ١٧ بَطل الْحَج وَأخذ الْحجر الْأسود وَذَلِكَ أَن أَبَا طَاهِر سُلَيْمَان بن الْحسن القرمطي دخل مَكَّة حرسها الله تَعَالَى يَوْم التَّرويَة فَقتل الْحجَّاج قتلا ذريعا وَرمى الْقَتْلَى فِي زَمْزَم وَأخذ الْحجر الْأسود من الْكَعْبَة وَقلع بَابهَا وبقى الْحجر عِنْدهم اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة إِلَّا شهرا ثمَّ ردُّوهُ لخمس خلون من ذِي الْقعدَة سنة ٣٩
وَفِي أَيَّام عبيد الله قتل المقتدر بِبَغْدَاد فِي الْحَرْب الَّتِي كَانَت بَينه وَبَين مؤنس الْخَادِم وَأظْهر عبيد الله عِنْدَمَا بلغه الْخَبَر أَن
1 / 51