146

============================================================

أمده قد انفسح لطاعة أنجحت أسبابها ودواعيها ، فهو لذلك مكتهل فى أول فتيانه ، ومذكور بالتعمير منذ ابتداء زمانه ، حتى إذا تهادت به خطا المهل المعلوم، إلى غاية الآجل المحتوم ، كان الحى المرزوق عند باريه ، / المخلد المحبو مما قدم من مساعيه ، وكان حبل حياته مبرم ، وسلك بقائه منظوم لم ينتثر وأثره جديد لم تغفه الأيام ، وخيره قريب لم تنسه الأفهام ، وشخصه ملموح بأعين البصائر ، وحديثه ملتقط باسماع الضمائر ، وعهده دان وإن بعد ميقاته ، وزمنه مستقبل وإن مضت أوقاته ، والصالحات عنه باقية نورا فى وجه الزمان ، وسرورا فى قلب الايمان ، وتلك صفات الشيخ الجليل - أطال الله بقاءه - إذا كان من ازمه حق رام قضاءه ، وتعين عليه فرض حاول أداءه ، وحدثت له منه - أدام الله تاييده - آخوة لطيفة بادر إلى وصالها ، ونشات بينه وبينه رحم سريعة قابلها بلالها ، وجمعته وإياها أنساب لا يحمل عقوقها ، ولا تضاع حقوقها ، وأدنته إليه أواصر أحكمت يد الإسلام عقودها ، وأكرمت ذمة الايمان عهودها ، فأسكن بها التقى روحيهما جسما، واستودع الهوى قلبيهما صدرا ، وصارت / كلتاهما متفقشين وإن بعدت الديار ، ودعوتاهما مؤتلفتين وإن اخلتف النجار ، وسقياهما من ماء واحد ، وإن تباين المحندان ، ومصدرهما عن نمير واحد وإن تشعب الموردان ، ورتوعهما فى رياض الملكوت ، ورجوعهما إلى موعد الجزاء الموقوت . وعلى أنى لو وفيت هذه الأواخى حقها ، وأعطيت الوسائل وفقها لكان السفر أقل ما يقتضيه الدين ، لمشاهدة نعمة الله تعالى على الإسلام وأهله بمكانه ، وأدلة الحق على الكرم وذويه بين نمائه ، فإن التكرمة فى ذلك لو وفرت عليه لكان لها موضعا، ولما زيد عليها مجمعا ، فكيف وهى مقسومة بين أهل الملة ، وموزعة على أعيان هذه النحلة ، إذ كان مكانه - أدام الله تأييده - من عموم الشرف عليهم ، وانتشار الفضيلة فيهم ، موضع الدليل من إطلاق لسان المستدل ، والبرهان من إعلاء كلمة الخصم المدل ، ويعلم الله ما وردعلى ، وعلى كافة من حضرنى من المسلمين ، سرورا

Página 164