وحين ما عاين أهل القلعة الأمرن أغلق من كان داخلها عليهم الباب وعمدوا إلى الأبراج وحروا المدافع والبنادق على عرض الشريف، وما كان بها غير نحو عشرين من الرجال، وما بقى فأرامل لا يحصون وأطفال، وما بقى من اهل القلعة فمستقرون (2) على العهد، والميثاق والوعد، ولم نظنوا أنه مضمر على النفاق، وبعد امتطى حادة الشقاق، وإلا لكان له ولهم شأن، وأروه منازلة الأقران، ويقال: إن الشريف لم يفعل ذل الأمر المحيف إلا بأمر أوجب ذلك عنده، هو الذي نكث عهده، وذلك أن مصطفى بن الكتخذا محمد قمقجي كان هو المتحرك لأبيه في هذه الفتن، وقد ساعده على ارتكاب المحن، وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا، لما وصل الشريف سرور المدينة استنظر منه الإنجاز بالموعود بأن ينتقم لهم ممن كان معاديهم وينصب والده كتخذا نوبجبتيان كما أولا كان، فلم يلح لهم من ذلك الأفق وميض بارق، وغصوا بريق ظماء فكانوا بين 86...مخنوق وشارق، عمد مصطفى المذكور وساعده بعض أهل الغورو إلى كتاب على لسان أهل المدينة مزور مشحون بالخدع والتلابيس، والخوض في رحلة البهتان إلى التلابيس مضمونه من أولئك الأعيان إلى شيخ حرب قد علمت ما وقع بيننا في بعضنا بعضا من الشرور، وما وقع بينكم بعضكم في بعض من مدلهمات الأمور، وكل ذلك من وسائس الشريف سرور، فغاية الأمر وما فيه إرغام الغمر إن أردت اغتنام الفرصة، فهلم إلينا من خارج ونحن من داخل كي نرهقه الغصة ويصير بعها غبرة لمن اعتبر وقصة، ولك في عندنا غير ما تحصله منه جانبا من المال وحصة، فلا يكون جوابك إلا المجيئ وقطع ذلك الغصن الردىء ونحو هذا من الخزعبلات الالة على نفاق قائله والخرافات، ثم عمد إلى أعرابي من الجبل قد أعطاه وأعظم له الجعل وقال له: إذا كان الوقت الفلاني تلقاني مع جماعة ناحية النقا التحتاني، فمر بالكتاب علينا، ولا تسمله إنكارا إلا بعد جهد جهيد إلينا، ولك الجعل وافرا وإن شئت خذه حاضرا، ثم عمد إلى بعض خواص الشريف، وقال لهم: إنكم قد استوعبتم المزارات وهاهنا قد فاتكم مقام منيف وهو مسجد السقيا فلا تفتنكم فيه الزيارة ولو لحقتكم الغارة، فهو مسجد عظيم، وفضله جسيم، فيه يستنزل المطر فيعم أهل الأضاحي والوبر، وكم ببقيعه من صحابى جليل كأبي سعيد المقبري وغيره من تابعي فضيل، ولم يزل يمثل لهم يزخرف القول وغروره حتى استولى على عقولهم بخفى أموره، فخرجوا معه على الوعد مسرعين، ولذلك المكان طالبين، وحيث انتهى بهم الجلوس في ذلك المل المأنوس برز لهم ذلك الشيطان ف زى إنسان، فسألوه عن المحتد وأين المقصد، فزوى عنهم خباياه وفطنهم لبعض خفاياه، فعمد إليه مصطفى وقال له: أظهر ما بطن من أمولك واختفى فجحد وأنكر، واستعد للهروب وبكر، فمسكه بالتلابيب، وقال له: ضع عنك الأساليب، ثم التفت إلى الجماعة الأعيان وقال لهم: هذا متخفي ولى به خرة سابقة أنه عين من أعيان جماعة ابن مضيان، وهو لكشف أخبار البلاد عينة، وقد بان والحالة هذه كذبه ومينه فهلموا إليه لا يهرب فلا يسير لنا سلطة عليه، فقاموا عليه، وأحاطوا به من خلفه وبين يديه وأجحفوه بالضرب وهددوه بالقتل والسلب، إن لم يخرج لهم ما عنده، فأخرج...
Página 86