300

أجنحة المكر الثلاثة

أجنحة المكر الثلاثة

Editorial

دار القلم

Edición

الثامنة

Año de publicación

١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م

Ubicación del editor

دمشق

Géneros

والدليل على اشتراكهم في هذا الهدف ظاهر من تاريخ المستعمرين، ودسائس المستشرقين وأقوال المبشرين وأعمالهم.
لقد دخل المستعمرون معظم البلاد العربية الإسلامية، فكان أول عمل باشروه تجزئة الأمة العربية ذات الأكثرية الإسلامية، إلى دويلات صغيرة، وأقاموا بينها الحدود والحواجز المصطنعة، وحاولوا أن يغرسوا بينها تباينًا في المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية، ثم تباينًا آخر في القوميات والعصبيات الإقليمية، مضافًا إلى ذلك إيجاد التنافر بين الكتل الطائفية، وأمعنوا في ذلك إمعانًا بالغًا، إذ كانوا يأتون إلى الكتل الطائفية القليلة العدد، التي بدأت تنسى عزلتها الطائفية، وتنصهر في الجماعة الواحدة الكبرى، فيشجعونها على أن تعود إلى أصولها، وتوجد لنفسها تكتلًا مضادًا حاقدًا على الأكثرية المنتشرة في البلاد، وذلك في ظل التسامح العام الذي تشعر به الأكثرية المسلمة، على أسس وطنية بحتة أخذت تنادي بها هيئاتها السياسية وغيرها، وهي غافلة عن المكيدة المدبرة.
وإمعانًا في التجزئة على أساس التفرقة الطائفية نشط المستعمرون في مد عناصر الطوائف القليلة بالمساعدات المختلفة، والتسهيلات الاقتصادية، والإغضاء عن الجرائم والمخالفات، ونفخ روح العزلة والحقد والكراهية في نفوس أفرادها وقادتها، ضد الأكثرية، وضد الطوائف الأخرى، وإشعارها بضرورة انفصالها بحكم ذاتي خاص بطوائفها.
وأقاموا بينهم وبين هذه الطوائف علاقات تتسم بطابع الصداقة والمودة التي تستتبع تبادل زيارات عائلية، وجلسات فكاهة وسمر وأكل وشرب، ورحلات متنوعة، وهكذا إلى آخر ما يدخل في هذا الجدول الاجتماعي، وعقدوا معهم صلات مناظرة للصلات التي عقدوها مع مجموعة من كبار الأسر السياسية والاقتصادية المنتمية إلى الطائفة التي تشكل في البلاد الأكثرية العددية، ولكن دسائسهم في كل زمرة منها تختلف عن دسائسهم في الأخرى. وذلك ليتم لهم بناء الجدار الغليظ بينهما، وليوسعوا الهوة الفاصلة بين الطوائف، ويزرعوها بالألغام الكثيرة، من الكراهية، وتباين المصالح، والأحقاد التاريخية الموروثة، والعصبيات المختلفة ذات الدوائر الضيقة.

1 / 314