لبيك يا شارلوت الحبيبة! إنني سأعنى بنفسي، وسأعيش من أجلك.
الرسالة السادسة عشرة
6 يوليو
لم تزل شارلوت مع صاحبتها المريضة؛ فهي اللطيفة المحبوبة أبدا، تخفف الألم أين حلت، وتمنح الهناء. خرجت بعد ظهر الأمس تتمشى مع أخواتها الصغيرات، وأخبرت الخبر فتبعتها حالا، ورافقتها نحو أربعة أميال، وفي عودتنا وقفنا بذلك الينبوع القريب من البلدة، الذي أحببته فيما مضى، وقد تضاعف حبي له الآن بلا مراء، واقتعدت شارلوت حائطه، ووقفنا أمامها، فأخذت أفكر، ممتعا نفسي بما أمامي، وذكرت تلك الساعات الطويلة التي كنت أقضيها هنا وحيدا؛ إذ كان قلبي حرا طليقا، ثم فكرت قائلا: «أيها الينبوع العزيز، منذ ذلك العهد لم أر أمواهك المنعشة الصافية التي طالما أشعرتني السرور.» وبينما كنت تائها في أفكاري وأنا أحدق بالينبوع، لمحت إحدى الصغيرات تصعد الدرج مسرعة، تحمل كوبة من الماء، فنظرت إلى شارلوت، وهناك أفعم قلبي حياة وشعورا، واقتربت الصغيرة بالماء، ودنت منها أختها ماريان لتأخذه منها، فصاحت الصغيرة قائلة بلهجة حب كبير: «كلا! لتشربن الأخت شارلوت أولا.» فلم أتمالك أن حملتها بين ذراعي، وقبلتها قبلة حب جزاء حنوها الجلي، فأخذت تبكي، وأخبرتني شارلوت أنني تسرعت فيما فعلت، فأسفت لذلك، ثم أمسكت الصغيرة بيدها، وهبطت معها الدرج قائلة: «والآن يا إمليا، اغسلي وجهك يا حبيبتي فيزول كل شيء.» وخفت إلى ذلك مطيعة، فغمست يديها الصغيرتين في الماء، وأخذت تمسح خديها بشدة معتقدة أنها تزيل بذلك أثر القبلة، فلا يصبح ثمة خطر من لحية تنبت لها، وأكدت لها شارلوت أنها قد فعلت ما فيه الكفاية، ولكنها ظلت تمسح متصورة أنها كلما فعلت كلما أمنت الخطر.
آه أيها الصديق! إنني لم أعر قط طقوس المعمودية التفاتا أو احتراما كما أعرت هذا المنظر. ولما صعدا كدت انطرح على قدمي شارلوت، فأقدسها كما يقدس ولي قد طهر الأمة جمعاء.
وحدثت بالخبر في المساء سيدا اشتهر بشدة الذكاء، ولكنني رأيت من النادر اجتماع الفهم وسلامة الذوق؛ فقد طاش رأيي في الرجل؛ إذ أنحى باللوم على شارلوت لسلوكها مسلك غير ذي حزم، قائلا: «لقد أخطأت بتشجيعها الطفلة على التمادي في الضعف والأوهام؛ أباطيل لا يمكن استئصالها في الأيام الأولى.» وقد علمت أن الرجل صار أبا منذ بضعة أيام، وربما كان يبتدع طرقا جديدة في التربية.
وعلى هذا لم أحفل بسفسطته؛ لاعتقادي أننا أنفسنا نسر بملاهينا الصغيرة ولو تاخمت الجهل والحمق؛ فعلينا إذا أن نطلق للأطفال العنان ليسروا بسخافاتهم كما يشاءون.
الرسالة السابعة عشرة
8 يوليو
ما أبلهني! لم أجد هذا الوجد وأتحرق شوقا إلى نظرة واحدة منها؟! ما أخرق هذا! كنا في والهيم، وقد ذهبت السيدات في مركبة تركنها بعد ليسرن في الحديقة، ولما ظننت أن عيني شارلوت المتلألئتين ... ولكنني أشط بعيدا، وعلي أن أقتضب القول لأنني نصف نائم. لما عدن إلى المركبة وقفت مع الصغار ويليست وسلفسترادت وأندران نكلمهن من النافذة، وكان الرجال كلهم جذلا مغتبطا، ورقبت عيني شارلوت، وخيل إلي أنهما ترمقان الكل، الواحد بعد الآخر، إلا أنا. نعم إلا أنا الذي وقفت كالتمثال - رغم جولانهما المتواصل - لا أرى غيرها، وكان قلبي يمطرها حبا وتوديعا، وهي لا تلقي إلي بنظرة واحدة.
Página desconocida