وكلاريسا هارلو
Clarissa Harlowe ، وليس لدي الآن من الوقت ما يسمح لي بالمطالعة. وعلى ذلك فإن القليل الذي أطالع عادة هو مجموعة فصول من تلك الحياة التي تعودتها، وإنني لأفضل المؤلفين الذين يضعون الطبيعة نصب أعينهم، ويذكرونني بهذه المسرات المنزلية، هذه المناظر المحبوبة التي أراها وأحتك بها في أسرتي.»
وأذهلتني دقة ملاحظاتها، وصواب أحكامها، فلم أستطع إخفاء عواطفي؛ لقد اشتعلت الجذوة في فؤادي، وأخاف أن يذهب بها لهبها قريبا. ثم أخذت تبدي آراءها في مؤلفات أخرى، خصوصا «كاهن واكفيلد» بسداد وحصافة أظهرت بلا ريب تحمسي في الموافقة على أقوالها وتحيزي لذلك، ولكنها وحدها قد امتلكت لبي حتى لم أعد أشعر بوجود غيرها في المركبة، ومع ذلك فإن شارلوت كانت توجه الحديث إلى السيدتين. ونظرت إلي قريبة صاحبتي نظرات معنوية، أفصحت عن ريبها وشكوكها، بيد أنني لم أبال بها. ثم انتقل الحديث إلى الرقص، فقالت شارلوت إنه وإن كان نوعا من اللهو يندد به الكثيرون، ولكنها شخصيا تميل إليه، فإذا ما انتابها قلق أو هم عارض أسرعت إلى آلتها العازفة، فدقت عليها بعض رقصات ريفية تسترجع بها الصفاء والنشاط. يا لله! لقد سحرني جمالها، فلم تتحول عيناي عنها، بل إن نغمات صوتها العذب قد أسكرتني فلم أفقه شيئا، وطاش بلبي إعجابي بعينيها المتلألئتين وقدها الرشيق، ولما وقفت المركبة نزلت منها فاقد الحس ضائع العقل، ولم أفق إلا في غرفة الاجتماع؛ حيث وجدت نفسي في وسط المدعوين، ورافق شارلوت والسيدة الأخرى صاحباهما اللذان كانا ينتظرانهما بالباب، وصحبت كذلك رفيقتي، ثم بدأ المرقص بعد دقائق، وتناوب السيدات الرقص معي، ولاحظت أن الدميمة والعادية كانتا أشدهن كلفا بالإطالة، وبدأت شارلوت ترقص مع صاحبها رقصة ريفية، ثم أتت لترقصها معي. آه! إنه ليستحيل عليك أن تتصور مقدار السرور الذي فاض علي، بل آه لو رأيتها راقصة! فشهدت الخفة والسهولة اللازمتين لكل راقص، ورأيت ذلك القوام البديع، والحركات الرشيقة المنتظمة!
ورغبت أن تتكرم فتعيد الكرة معي، ولكنها اعتذرت متلطفة، مؤكدة لي أنها على موعد من آخر، ثم تفضلت واعدة بتقديم يدها إلي في الدور الثالث، قائلة بصراحة حلوة إنها تحب نوع الألليماند
Allemandes ،
1
ومن الشائع هنا أن يرقصها كل رفيقين، ولكن صاحبي لم يتعودها، ويرجو أن يعفى منها، وأنا أدري أيضا أن صاحبتك كارهة لها، وقد أقنعتني مظاهر رقصك أنك قادر على إجادة هذا الضرب، فإذا تفضلت فاسأل رفيقتي السماح كما أسأل رفيقتك. وهكذا سويت المسألة، واتفقت مع صاحب شارلوت أن يلزم صاحبتي في تلك الأثناء، وبدأنا رقصنا باشتباك الأذرع، وصاحبتي تظهر في كل حركة حياة وبهاء. ولما غيرت الفترة
2
اختل نظام الجماعة، وقد كان عليهم أن يلتف كل منهم حول الآخر كالأكر، ولكننا مع ذلك تجنبناهم بحذق حتى انسحب من ارتبك، فأخذنا مكانينا السابقين مع اثنين آخرين، ورفيق شارلوت الأول مع صاحبتي القديمة، وأذكر أنني لم أرقص قط في حياتي بسرور ورضى كما فعلت هذه المرة؛ فقد حسبت نفسي أسمى من البشر؛ إذ ملأت ذراعي بأجمل مخلوقة تحت السماء، ذرعت معها الغرفة مسرعا كالبرق لا أرى شيئا سواها. هل أعترف لك أيها الصديق؟ لقد عقدت النية حينذاك - حتى في ذلك الوقت - أن المرأة التي أحبها وأعتزم زواجها لن ترقص تلك الرقصة مع رجل غيري وما عشت، ولكن أنت بلا ريب تفهم ما أعني ...
وسرنا في الغرفة جيئة وذهابا مرتين أو ثلاثا لنروح عن نفسينا، ثم جلست شارلوت، وكنت قد أتيتها بآخر ما تبقى من البرتقال في خزانة المائدة؛ حيث كانوا يصنعون شرابا من خمر إسبانية، فكان لها ذلك مرطبا نافعا، ودفعها أدبها لتقديم ما أوتيت إلى سيدة بجانبها، فأخذت منه أكثره، ومع أنها امرأة فقد حسدتها لنوالها منحة من تلك اليد الجميلة. وعدنا إلى الرقص، وكنا الرفيقين الثانيين في الرقصة الريفية الثالثة، وبينا كنت أدير صاحبتي حولي، متأملا بملء الابتهاج تكلم النظرات الحلوة، والحركات الساحرة الرائقة التي توحي السرور وتبعث على الجذل، ابتسمت لشارلوت سيدة مسلف
Página desconocida