قال: «لا أظنه يعجز عنه فما هو طلبك يا مولاي؟»
قال: «إني أريد أن أبني جامعا بلا أساطين. هل يستطيع ذلك ؟»
قال : «لم أسأله، ولكني أحسبه يستطيع.» واستدرك زكريا قوله مخافة ألا يكون سعيد قادرا فيعود الغضب على كليهما، فأراد أن يثني ابن طولون عن عزمه فاستأنف الكلام قائلا: «وهل خلوه من الأساطين شرط لازم. كأن مولاي لا يرى في الأساطين جمالا، قياسا على التي وضعوها في جامع عمرو. فإذا كان هذا فأنا أضمن أن سعيدا يضعها على شكل بديع.»
فأشار ابن طولون بسبابته منظرا وقال:
ليس هذا هو السبب في رغبتي عن الأساطين. وقد رأيت فيك فطنة وغيرة فأقول لك أن ما دفعني إلى ذلك هو رفقي بأهل الذمة من سكان هذا البلد؛ لأني لما عزمت على بنائه سألت المهندسين عما يحتاج إليه من الأعمدة، فقدروا له ثلاثمائة عمود، ولا سبيل إليها إلا بأخذها من الكنائس فأستنفد أعمدتها في الأرياف والضياع، وهذا ظلم لا أرضاه وأحسبه لا يرضي الله. وأنا أحب أن أبني مسجدا لا يشوب بناءه ظلم، ولا وسيلة لذلك إلا بأن يكون الجامع بلا أعمدة فلم أجد في مصر من يستطيع هذا.
فتبسم زكريا وقال: «هل سألت سعيدا السجين في المطبق؟»
قال: «كلا، إنه ذهب من فكري، هل تظنه يقدر على هذا الأمر؟»
قال: «أظنه يقدر. وما على مولاي إلا أن يأمر بإحضاره ويرى ما يقول.»
فصفق ابن طولون، فدخل غلام فقال له: «قل لصاحب المطبق أن يأتيني بالمهندس النصراني من السجن وأدخلوه علي لساعته.» •••
وقع زكريا في حيرة وقال في نفسه: «إذا أخلف سعيد ظني فلم أستطع إنقاذه من هذا السبيل أعود فأتهم إسطفانوس بأنه هو الذي وضع قصرية الجير وأن سجن سعيد ظلم.»
Página desconocida