قال: «لما علمت بمقابلة الأسقف لسيدي وأبيك أيقنت أنه سيكلمه في الأمر الذي يطلبه إسطفانوس، وأنا أعلم أن أباه رجل عاقل يعرف حقيقة ابنه وأنه ليس كفئا لما يطلبه فذهبت وأسررت إليه الأمر فرأيته كما كنت أظن، ووعدني أن يأتي ليرى أباك.»
قالت - والاستغراب باد في أسرتها: «آت لماذا؟»
قال: «ليرجع أباك عن قبول ابنه.»
فتبسمت والدهشة تمتزج بابتسامتها وقالت: «يرجعه؟ أتظنه يستطيع ذلك؟»
وقطع كلامها وقع أقدام المعلم حنا في صحن الدير، فذهبت إلى نافذة تراه منها ولا يراها فرأته رجلا جليل الطلعة وقورا يبدو التعقل في نظراته، ورأت رئيسة الدير كثيرة الاحتفاء به وهو يقول لها: «بلغني أن المعلم مرقس صاحب طاء النمل هنا.»
قالت رئيسة الدير: «نعم يا سيدي وقد كان مع أسقف الفسطاط وخرج الأسقف وأظن المعلم مرقس لا يزال حيث كانا.» قالت ذلك وهي تمشي بين يديه حتى أدخلته الغرفة فتركته مع مرقس وعادت أدراجها.
أما دميانة فكان اضطرابها عظيما، وتقاذفتها الشجون فلا تدري أتستسلم لليأس أم تتمسك بحبل الرجاء؟ وقد طالت الخلوة وهي تتساءل عما عسى أن تكون عاقبتها. وكلما سمعت وقع خطوات أو فتح باب يخفق قلبها وإذا بصوت المعلم حنا يودع أباها بلحن لم يعجبها، فالتفتت فرأت وجه الرجل متغيرا وأبوها يتواضع له ويتقرب إليه عند الوداع بصوت خافت كأنه يعتذر عن خطأ ارتكبه، فمكثت هنيهة كالضائعة، فجاء زكريا ووجهه ينذر بما وقع فابتدرته قائلة: «لم يفلح الرجل على ما أظن.»
قال: «هكذا يظهر. أخبرني من سمع حديثهما أن المعلم حنا نصح لأبيك برفض خطبة إسطفانوس، وأنه ليس أهلا لك. فجاراه أبوك في الكلام، ثم اعتذر له بوعد مسبق منه للأسقف، وزعم الرجوع متعبا. وأنه سيبذل جهده.»
فلما سمعت دميانة قوله وكانت في مكان لا يراها فيه أحد لم تستطع أن تمسك نفسها عن أن تلطم خديها لطمة خفيفة، وتقول: «ويلاه ما هذه التجربة أبوه نفسه يقول إنه ليس أهلا لي.» وأخذت تبكي، ثم اتجهت نحو أيقونة للسيد المسيح معلقة هناك وقرعت صدرها وتنهدت من أعماق قلبها وقالت: «إلهي اصرف عني هذه الكأس. وإذا رأيت أني مخطئة في نفوري من هذا الشاب فحببه إلي واجعلني أرى خطئي.» وأطلقت لنفسها عنان البكاء.
فقال لها زكريا: «كفكفي دمعك يا مولاتي. سيأتي أبوك كفي عن البكاء واصبري ولا تبالي؛ فقد قلت لك إن ذلك الغر لن ينال قلامة ظفرك سايري أباك ولا تبدي له جفاء واتكلي على السيد المسيح وعلي.»
Página desconocida