قال: «يظهر عليك ذلك، فلا تنزعجي، هل أنت متزوجة هناك؟»
فظهر الخجل في وجهها وسكتت ودل سكوتها على أنها عذراء، فقال: «إذا كنت متزوجة فلا أجد سببا لاضطرابك، فإنك ذاهبة إلى أمير البجة، وهو أكبر أمرائهم وأشجع قوادهم، ومن حسن طالعك أن قسمت له، وسيكون لك مقام رفيع عنده؛ فليس في نسائه واحدة على مثل ما أنت فيه من الجمال والكياسة، وهو يفهم القبطية قليلا، فسلمي أمرك إلى الله واقنعي بهذا النصيب.»
وكانا قد اقتربا من باب الخيمة، فتقدمها النوبي وأشار إلى الحاجب أن ينبئ الأمير بقدومه، فلما أذن له دخل ودميانة في أثره وقد صبغ وجهها الحياء وتولاها الخوف واصطكت ركبتاها ورأت النوبي انحنى كأنه يسجد لأيقونة. ووقع نظرها على الأمير جالسا في صدر الفسطاط وهو خفيف العضل والشعر أسود اللون حاد العينين ذو مهابة ولباس حسن. وكان جالسا الأربعاء على بساط من السجاد الثمين فوق مقعد سوداني (عنقريب). وارتدى بكساء من الحرير الملون وعلى رأسه عمامة تشبه التاج وبين يديه سيف قبضته من الذهب وحول عنقه عقد من الحجارة الكريمة بينها قطع من الذهب على هيئة تماثيل صغيرة لبعض الآلهة، وفي أصابعه الخواتم.
وسلم النوبي على أبي حرملة بلسان البجة، فأجابه هذا باللسان نفسه، ولم تفهم دميانة شيئا ولا هي استطاعت أن تسجد كما فعل الترجمان، لكنها سمعت أبا حرملة ينادي النوبي: «سمعان.» وهو اسم نصراني، فاطمأنت لاعتقادها أنه نصراني مثلها.
ووجه أبو حرملة نظره إلى دميانة، وتفرس فيها فأطرقت، ثم سمعته يخاطب سمعان فالتفت هذا إليها يترجم كلامه فقال: «إن مولانا الأمير أعجب بما شاهده فيك من الجمال والهيبة، ويقول لك: إنه سيبذل جهده فيما يرضيك، فلا ينبغي أن تعدي نفسك سبية أو غريبة؛ فإنه يعدك من خير نسائه.»
فارتجفت اضطرابا إذ أصبحت داخل العرين، ولا يلبث الأسد أن ينشب أظافره فيها، فاستعاذت بالله وظلت ساكنة. فأشار أبو حرملة إلى سمعان وخاطبه فاتجه هذا إلى دميانة وقال لها: «تعالي معي يا جميلة إلى الخباء؛ فقد أوصاني الأمير بأن أخصك بخيمة تقيمين بها على الرحب والسعة.»
وخرج فخرجت معه تتعثر بأذيالها، ثم قالت له: «يظهر يا سمعان أنك نصراني مثلي، فأستحلفك بالسيد المسيح أن تنقذني من هذه المصيبة.»
فابتسم سمعان وخاطبها وهو ينظر إلى الأرض؛ لئلا يلحظ أحد أنه يكلمها خوفا من الأمير، وقال: «إن لم أكن نصرانيا كما ظننت فقد ولدت في بلد النصارى، فسموني باسم من أسمائهم وأنا أعرف كثيرين منهم في مصر والصعيد والنوبة. وقد رأيتك شديدة الخوف، وثقي بأني سأكون لك أخا أبذل جهدي في راحتك.»
فاستأنست بوعده وقالت: «إذا كنت تعدني أختا لك فأرجو منك أن تساعدني على الخلاص. هذا غاية ما أرجوه منك. فإذا أنقذتني كان لك فضل كبير لا يضيع أجره عندي ولا عند أهلي.»
قال: «يا حبذا، ولكن الخلاص لا يستطاع، ونحن بين رجال كالنمور يختطفون بسرعتهم الأبصار، فاصبري، ولا ريب أنك ستكونين راضية بعد قليل.»
Página desconocida