Ahmad Curabi, el líder difamado
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
Géneros
وإن الذي يخطو الخطوة الأولى في كل ما يتطلب جرأة ليعظم فضله ويعلو اسمه على كل من يخلفه حتى ولو كان في هؤلاء الخلف من هو أكثر جرأة وأجل أثرا وأعظم خطرا وأكبر عقلا، وذلك لأن الفضل للبادئ. ولن يوجد في الخلف من يكون أعظم فضلا ولا أخلد مجدا.
وإن الرجل الذي يقتدي بمن سبقه من الأبطال من بني قومه، أو الذي يلقي معاني البطولة في نفسه كثرة الأبطال من حوله ليحمد على بطولته، فكيف بمن ينشأ على غير سابقة وينهض مدفوعا بما في فطرته من معاني الإباء والأنفة كهذا الفلاح الذي كبر عليه أول الأمر أن يستذله ويستذل إخوانه المصريين رفقي، وما زال به حتى عزله، والذي تفتحت نفسه للدستور فوضع يده في أيدي الوطنيين وما استبعد الشقة أو قعد به ملل حتى ظفر لوطنه بالدستور، وأبعد رياضا وأحل محله شريفا، والذي يحرص بعد ذلك على القومية المصرية، ويخشى أن يعصف بها كيد الكائدين فيتربص كما يتربصون، ويتأهب كما يتأهبون ...
لقد أعجب بشخصه وبآماله بلنت، وحق له أن يعجب به. ولقد قارن بينه وبين مدحت باشا فرجحت كفته على كفة مدحت، وذهب من فوره يعلن للشيخ محمد عبده مبلغ تأثره بهذا الجندي الفلاح أو في الواقع بهذا الزعيم المصري الذي أنجبته مصر ...
الثعالب وبنات آوى
قدر على شريف أن يلاقي عنتا شديدا من مسلك الخديو من أول الأمر ... وأخذت وزارته تشق طريقها في حذر شديد بين تلك الصعاب القائمة، وكان أعظمها دسائس الأجانب وتوثبهم في ذلك الوقت، ولقد هال هؤلاء الأجانب انبعاث الروح الوطنية؛ إذ رأوا فيها بوادر القضاء على ما كانوا يمنون به أنفسهم في مصر ...
وسارت سفينة الحكم بين هذه التيارات المختلفة، تنكر الخديو لقضية الدستور، ونشاط المدافعين عن هذه القضية، وتربص الدولتين بالحركة جميعا ...
كان طبيعيا أن تفيق البلاد على صيحة عرابي، وأن تنطلق النفوس من عقالها، فلقد أتيح للناس قدر من الحرية وهم إليها عطاش تتحرق نفوسهم، فبدأ الوطنيون يعبرون عما احتبس في صدورهم منذ عزل إسماعيل، وعادت الصحف تعبر عن مساوئ التدخل الأوربي، وتندد بأساليب الدخلاء في مصر، أولئك الذين سلبوها أقواتها بالحيلة، وحالوا بينها وبين أمانيها زمنا بالإرهاب والبطش، والذين كان يحتل الكثيرون منهم المناصب المصرية الخطيرة ويؤجرون على أعمالهم فيها - إن كان ثمة لهم فيها من أعمال - أجورا غالية من خزانة مصر الفقيرة ...
وأخذت جريدة «الطيف»، وكان يصدرها عبد الله نديم تقاوم البهرج الزائف الذي أخذ يلتمع في مصر، فيخطف سرابه أبصار الجاهلين، والذي سماه الأوربيون مدنية ليكون لهم منه سلاح من طراز خاص يضيفونه إلى أسلحة الدس والكيد التي سلطوها على البلاد، وحمل الكرام الكاتبون على المراقص وحانات الخمور ودور المجون ومواخير الدعارة وغيرها من عباءات الفسوق التي كان يذيعها في مصر أولئك الذين جعلوا من مبررات تدخلهم في شئون البلاد رغبتهم في هداية أهلها إلى المدنية! ...
وأخذ صيت عرابي يطغى على صيت جميع الرجال من حوله حتى البارودي وشريف، وكان لهما الحكم والجاه، والحق أن القلوب قد تعلقت بعرابي تعلقا يستحيل معه أن يعتزل السياسة أو تعتزله السياسة، بعد أن خطا في تاريخ قومه تلك الخطوة الجريئة التي كان النجاح حليفها ...
أخذنا على عرابي أنه حينما طلب إليه أن يخرج من القاهرة بفرقته اشترط أن يكون ذلك بعد صدور أمر الخديو بدعوة مجلس شورى النواب، فهل نأخذ عليه أنه تدخل في الأساس الذي يجتمع عليه المجلس؟ فقد كان يرى شريف أن يكون ذلك وفق لائحة سنة 1866، أي أول لائحة للمجلس وقد وضعت في السنة التي أنشئ فيها، على أن يضع بالتعاون مع مجلس الوزراء لائحة جديدة تجعل منه مجلسا نيابيا يلائم حال البلاد، وبعد معارضة شديدة وافق عرابي على ذلك ...
Página desconocida