Ahmad Curabi, el líder difamado
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
Géneros
ويحسن أن نورد ما حدث بعد ذلك على لسان عرابي وهو لا يخرج عن روايات هذا الحادث على كثرتها. قال: «ثم صاح بمن خلفي من الضباط أن أغمدوا سيوفكم وعودوا إلى مكانكم، فلم يفعلوا وظلوا وقوفا خلفي ودم الوطنية يغلي في مراجل قلوبهم والغضب ملء جوارحهم. ولما وقفت بين يديه مشيرا بالسلام خاطبني بقوله: «ما أسباب حضورك بالجيش إلى هنا؟» فأجبته بقولي: «جئنا يا مولاي لنعرض عليك طلبات الجيش والأمة، كلها طلبات عادلة... فقال: «وما هي هذه الطلبات؟» فقلت: «هي إسقاط الوزارة المستبدة، وتشكيل مجلس نواب على النسق الأوربي، وإبلاغ الجيش إلى العدد المعين في الفرمانات السلطانية، والتصديق على القوانين العسكرية التي أمرتم بوضعها.» فقال: «كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا.» فقلت: «لقد خلقنا الله أحرارا، ولم يخلقنا تراثا وعقارا، فوالله الذي لا إله إلا هو إننا سوف لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم.»
4
تلفت الخديو بعد ذلك إلى كلفن قائلا: «أسمعت ما يقول؟» فأشار عليه هذا بالعودة إلى القصر إذ لا يجمل أن يزيد الأمر بينه وبين عرابي عن هذا الحد، فانصرف الخديو وبقي الجيش في مكانه لا يتزحزح.
وأقبل كوكسن قنصل إنجلترا في الإسكندرية، وكان ينوب عن القنصل العام السير إدوارد مالت لغيابه، أقبل هذا ومعه ترجمان يناقش عرابيا في غلظة مقصودة، وكان هذا الإنجليزي كرجال الاستعمار جميعا من بني جلدته ممن يحسنون دس أنوفهم في كل شيء، ومما وجهه إلى عرابي قوله أن لا حق له في أن يطالب بالمجلس النيابي وإسقاط الوزارة، فذلك من شأن الأمة، أما عن زيادة الجيش فمالية البلاد لا تساعد على ذلك ...
وأجاب عرابي بقوله: إن الأمة أنابت الجيش عنها، ثم وجه نظر محدثه إلى الجموع المتراصة خلف الجند قائلا: هذه هي الأمة وما الجيش إلا جزء منها، ويحسن أن نورد عبارته بنصها. قال: «اعلم يا حضرة القنصل أن طلباتي المتعلقة بالأهالي لم أعمد إليها إلا لأنهم أقاموني نائبا عنهم في تنفيذها بوساطة هؤلاء العساكر الذين هم عبارة عن إخوانهم وأولادهم، فهم القوة التي تنفذ بها كل ما يعود على الوطن بالخير والمنفعة، وانظر إلى هؤلاء المحتشدين خلف العساكر، فهم الأهالي الذين أنابونا عنهم في طلب حقوقهم، واعلم علم اليقين أننا لا نتنازل عن طلباتنا، ولا نبرح هذا المكان ما لم تنفذ.»
قال القنصل: «علمت من كلامك أنك ترغب في تنفيذ اقتراحاتك بالقوة، وهذا أمر ينشأ عنه ضياع بلادكم وتلاشيها ...»
قال عرابي: «كيف يكون ذلك؟ ومن ذا الذي يعارضنا في أحوال داخليتنا؟ فاعلم أننا سنقاوم من يتصدى لمعارضتنا أشد المقاومة إلى أن نفنى عن آخرنا ...»
قال القنصل: «وأين هي قوتكم التي ستدافع بها؟»
قال عرابي: «عند الاقتضاء يمكن أن نحشد مليونا من العساكر يدافعون عن بلادهم ويسمعون قولي ويلبون إشارتي.»
وسأل كوكسن عرابيا بعد هذا سؤالا يتجلى فيه خبثه وقد ظن أنه أحكم الرمية فقال: «وماذا تفعل إذا لم تجب إلى ما تطلب؟»
Página desconocida