Sueños de mi padre: Una historia de raza y herencia
أحلام من أبي: قصة عرق وإرث
Géneros
غيرت روبي اعتقاداتي تغييرا جذريا، وهدمت الجدار الذي كنت قد أقمته بين مشاعر وسلوكيات السود والسياسة، بين مواردنا المالية وأرواحنا. وفي الواقع كان هذا الموقف بعينه المثال الأكثر أهمية على ما كنت أسمعه وأراه يوميا. وها هو ذا قد عبر عنه أحد القادة السود عندما شرح لي أنه لم يلجأ مطلقا لشخص أسود لأداء أي نوع من الأعمال (لأن ذوي البشرة السوداء يفسدون الأمور وسينتهي بي الحال بالدفع إلى البيض لعمل المهمة من جديد.) كما اتضح هذا المثال من الأسباب التي أوردتها قائدة أخرى لعدم استطاعتها حشد أفراد آخرين في كنيستها (إن السود متكاسلون ولا يريدون فعل أي شيء يا باراك.) في مثل هذه الملحوظات التي أبداها القادة كانت كلمة «زنجي» تحل محل كلمة «أسود» في المعتاد؛ تلك الكلمة التي كان يروق لي أن أفكر في أنها تقال على سبيل الدعابة، وأن هذه الدعابة قد ميزت مرونتنا كشعب. إلى أن سمعتها لأول مرة من أم شابة استخدمتها نعتا لطفلها لإخباره بأنه عديم القيمة، ورأيت جماعة من الصبية في سن المراهقة يستخدمونها لجرح مشاعر أحدهم أثناء مشاجرة سريعة بالألفاظ الجارحة. وبذلك لم يكن تغيير المعنى الأصلي للكلمة كاملا على الإطلاق؛ فقد كنا نحن أول من ابتلي ببلايا هذه الكلمة مثلما حدث مع الوسائل الدفاعية الأخرى التي استخدمناها لصد جرح محتمل.
إذا كانت لغة عوام الناس ومزاحهم وقصصهم أشياء اعتمدت عليها العائلات والمجتمعات والاقتصاديات في بنائها، إذن فإنني لم أستطع فصل تلك القوة عن الجرح والتشوهات التي استمرت بداخلنا. وأدركت أن أكثر ما أزعجني عندما نظرت إلى عيني روبي هو تداعيات هذه الحقيقة. رأيت أن القصص التي اعتدت سماعها من القيادة وكل الحكايات المتواردة عن الشجاعة والتضحية والتغلب على الظروف الصعبة لم تحدث بسبب الطاعون أو القحط أو حتى مجرد الفقر. وإنما نبعت من تجربة خاصة للغاية مع الكراهية. تلك الكراهية التي لم ترحل عنا إطلاقا، والتي شكلت قصصا مضادة - مدفونة في داخل أعماق كل شخص - تتمحور حول البيض الذين كانوا يظهرون فيها أحيانا قساة القلوب وأحيانا أخرى وهم يتصفون بالجهل، وأحيانا كانت هذه القصص تدور حول شخص بعينه من البيض وأحيانا أخرى حول صورة غير محددة لنظام يدعي السيطرة على حياتنا. اضطررت حينها إلى أن أسأل نفسي عما إذا كان من الممكن استعادة الروابط بين المجتمع دون أن يطرد السود بصورة جماعية هذا الشكل المخيف الذي لازم أحلامهم. ترى هل كان يمكن أن تحب روبي نفسها دون أن تكره العيون الزرقاء؟ •••
تعامل رفيق الشباز مع هذه القضايا بما يحقق رغباته الخاصة. ومع الوقت بدأت أراه بصورة أكثر انتظاما، وذات صباح بعد اجتماع مع مكتب العمدة للتوظيف والتدريب بخصوص مشروع التنمية المحلية، اتصل بي وأخذ يتحدث سريعا بخصوص مركز التوظيف الذي طالبنا به المدينة.
قال لي رفيق: «يجب أن نتحدث يا باراك.» وتابع: «إن كل ما تحاولون فعله بخصوص التدريب الوظيفي يحتاج إلى أن يتلاءم مع خطة التنمية الشاملة العامة التي أعمل عليها. فلا يمكن التفكير في هذا الشيء بمعزل عن الأمور الأخرى ... يجب أن تنظروا للصورة بأكملها. فإنكم لا تفهمون القوى الموجودة هنا. إنها هائلة يا رجل. فالجميع هنا على استعداد لطعنك من الخلف.» «من هذا؟» «رفيق. ما الخطب، ألا يزال أمامك الكثير لتقوله؟»
نعم كان أمامه الكثير . طلبت منه أن ينتظر على الخط حتى أحضر لي فنجانا من القهوة، وعندما عدت طلبت منه أن يبدأ حديثه من جديد، لكن بصورة أكثر بطئا. وفي النهاية استنتجت أن رفيقا كان لديه اهتمام بإقامة مركز لخدمات مكتب العمدة للتوظيف والتدريب الذي كنا قد اقترحناه على المدينة في مبنى معين قريب من مكتبه في شارع ميشيجان. لكنني لم أسأل عن طبيعة هذا الاهتمام. إذ كنت أشك في إمكانية أن أحصل على إجابة مباشرة منه، وعلى أية حال تصورت أننا ربما نستطيع الاستفادة منه كحليف في سلسلة المفاوضات الصعبة مع السيدة ألفاريز. وفي هذا الصدد قلت إنه إذا كان المكتب الذي فكر فيه يفي بالمواصفات المطلوبة فسوف أكون مستعدا لاقتراحه كأحد البدائل الممكنة.
وهكذا كونت أنا ورفيق تحالفا غير مستقر لم يلق كثيرا من استحسان قادة مشروع التنمية المحلية. كنت أفهم دواعي قلقهم، فكلما جلسنا مع رفيق لمناقشة استراتيجيتنا المشتركة قاطع المناقشة وألقى على أسماعنا دروسا عن المؤامرات السرية الجارية، وعن الشعب الأسود المستعد جميعه لخيانة أهله. كانت حيلة فعالة من حيل المفاوضات، وكلما ارتفع صوته تدريجيا وانتفخت أوداجه لجأت أنجيلا وويل والآخرون فجأة إلى صمت غريب، وهم يشاهدون رفيقا كما لو كان في نوبة صرع. ولأكثر من مرة كنت أضطر إلى الاندفاع سريعا والصياح في وجهه، ليس بصورة غاضبة بقدر ما كنت أحاول أن أجعله يقلل من حدة انفعاله، وفي النهاية ترتسم ابتسامة صغيرة أسفل شاربه ونستطيع بعدها العودة إلى العمل.
ومع ذلك فإنني عندما أصبح بمفردي مع رفيق كانت تدور بيننا في بعض الأحيان محادثات عادية. وبمرور الوقت انتهى بي المطاف إلى الإعجاب رغما عني بتصميمه وجرأته وبإخلاصه لمفاهيمه الخاصة. أكد لي رفيق حقيقة أنه كان رئيسا لإحدى العصابات وأنه تربى في ألتجيلد، وقال إنه اعتنق الإسلام بفضل زعيم مسلم محلي لا ينتمي إلى منظمة «أمة الإسلام» التي يرأسها الزعيم لويس فرقان. وأخبرني ذات يوم: «إن لم أعتنق الإسلام لأصبحت الآن في عداد الأموات.» وأضاف: «في الواقع كانت عندي اتجاهات هدامة. إذ تربيت في ألتجيلد وتجرعت كل السموم التي كان البيض يرضعوننا إياها. وكما ترى فإن من تعمل معهم يعانون المشكلة نفسها، حتى إن لم يكونوا قد أدركوها بعد. إنهم يقضون نصف حياتهم قلقين مما يفكر فيه البيض. ويبدءون بتحميل أنفسهم مسئولية كل المساوئ التي يرونها كل يوم، معتقدين أنهم لن يستطيعوا تحسين أي وضع إلى أن يقرر البيض أنهم صالحون. إلا أنهم في أعماقهم يعرفون أنهم ليسوا صالحين. وهم يعرفون ماذا فعل هذا البلد في أمهاتهم وآبائهم وأخواتهم. لذا فإن الحقيقة هي أنهم يكرهون البيض، لكنهم لا يستطيعون الاعتراف بذلك لأنفسهم. بل يكبحونه داخلهم ويحاربون أنفسهم. ويهدرون كثيرا من طاقتهم بهذه الطريقة.»
أكمل رفيق حديثه وقال: «سأخبرك شيئا يعجبني في البيض.» وتابع كلامه: «إنهم يعرفون من هم. انظر مثلا إلى الإيطاليين. إنهم لا يهتمون بالعلم الأمريكي أو أي شيء من هذا القبيل عندما يأتون إلى هنا. وأول شيء يفعلونه هو إنشاء مافيا للتأكد من أن مصالحهم سوف تتحقق. وانظر إلى الأيرلنديين الذين يتولون السلطة في مجلس المدينة ويحصلون لأبنائهم على الوظائف. والأمر نفسه ينطبق على اليهود ... أتريد إخباري أنهم يهتمون بالأطفال السود في الجانب الجنوبي من شيكاغو أكثر من اهتمامهم بأقاربهم في إسرائيل؟ اللعنة، إن الأمر متعلق بقرابة الدم يا باراك. وكل يعتني بمن هو منه. قضي الأمر. ويمكنني أن أقول لك إن السود هم بمفردهم من يتصفون بذلك القدر من الحمق الذي يجعلهم يهتمون بأمر أعدائهم.»
كانت تلك هي الحقيقة كما رآها رفيق؛ الحقيقة التي لم يهدر طاقته في انتقادها وتفنيدها. كان رفيق يعيش في عالم يشبه عالم الفيلسوف توماس هوبز، وفي هذا العالم كان الشك حقيقة مسلما بها، وكان الولاء يبدأ من الأسرة ويمتد إلى المسجد ثم إلى العرق الأسود ... ونتيجة لذلك لم يعد من الممكن تطبيق مفهوم الولاء. قدمت هذه النظرة المحدودة لرابطة الدم والقبيلة لرفيق وسيلة لتركيز اهتمامه. وكان يجادل بقوله إن احترام الذات لدى السود هو الذي منح العمدة منصبه حيث إن احترام الذات لديهم غير حياة مدمني المخدرات في ظل تعاليم المسلمين. وكان التقدم في حوزتنا ما دمنا لا نخون أنفسنا.
لكن ما الذي أدى إلى الخيانة بالضبط؟ منذ أن تعرفت على السيرة الذاتية لمالكولم إكس حاولت أن أفك لغز القومية السوداء، وجادلت بأن الرسالة الإيجابية للقومية - عن التضامن والاعتماد على النفس والنظام والمسئولية المشتركة - ليست في حاجة إلى أن تكون معتمدة على كراهية البيض أكثر من اعتمادها على سماحتهم. وكنت أحدث نفسي وأحدث أصدقائي السود بأننا بوسعنا أن نخبر هذا البلد عن مواطن الأخطاء، وكان هؤلاء الأصدقاء يستمعون إلي دون التوقف عن الإيمان بقدرة البلد على التغير.
Página desconocida