Sueños de mi padre: Una historia de raza y herencia
أحلام من أبي: قصة عرق وإرث
Géneros
أظن أن هذه الغريزة لها أهمية؛ فقد اتجهت عند كثير من البيض من جيل جدي وجدتي ممن لهم نفس خلفياتهما العائلية إلى الاتجاه المضاد؛ اتجاه الجماهير. ومع أن علاقة جدي بوالدتي كانت قد توترت بالفعل في الوقت الذي وصلوا فيه إلى هاواي - فهي لم تتقبل قط عدم استقراره ومزاجه العنيف في معظم الأوقات وستصبح خجولة من قسوته وأخلاقه الفظة - فقد كانت تلك الرغبة في طمس الماضي، وتلك الثقة بإمكانية إعادة تشكيل العالم من الخيال هو الميراث الباقي له. وسواء أدرك جدي هذا أم لم يدركه، فإن رؤية ابنته في صحبة رجل أسود قدمت له على مستوى عميق غير مستكشف من ذاته نافذة تطل على قلبه.
ولكن معرفة الذات هذه - حتى إذا كان قد توصل إليها - لم تكن لتجعل تقبل خطوبة أمي أسهل له. في الحقيقة تظل مسألة كيف حدث الزواج ومتى حدث أمرا غير واضح، وهي التفاصيل التي لم أملك الشجاعة قط لاستكشافها. فلا يوجد تسجيل لحفل زواج بالمعنى المعروف، لا كعكة أو خاتم زواج أو إمساك والد العروس بيد ابنته ليسلمها لزوجها. ولم تحضره عائلات، حتى يبدو أن الناس في كانساس في ذلك الوقت لم يكونوا على علم به. مجرد حفل زواج مدني صغير، وقاض لإتمام مراسم الزواج القانونية. الأمر برمته يبدو هشا عند تأمله، عشوائيا للغاية ودون أي تنظيم. وربما يكون هذا هو الأسلوب الذي أراد جداي أن يتم به الأمر، تجربة ستمر، مسألة وقت فحسب، ما دام أنهما يحافظان على ثبات موقفهما ولم يقوما بأي سلوك عنيف.
وإذا كان الأمر كذلك، فإنهما لم يخطئا في تقدير حزم أمي الهادئ فحسب، بل أخطآ أيضا في تقدير تذبذب مشاعرهما. وعندما ولد طفل، يزن ثمانية أرطال وأوقيتين وله عشر أصابع في قدميه ومثلها في يديه ويريد أن يأكل، ماذا كان يمكن أن يفعلا؟
بدأ الزمان والمكان يتآمران ويحولان الموقف العصيب إلى شيء يمكن تقبله، بل يمكن أن يصبح مصدرا للفخر. وكان جدي يجلس يشارك أبي احتساء الجعة ويستمع إلى زوج ابنته الجديد وهو يتحدث بجرأة عن السياسة أو الاقتصاد وعن أماكن بعيدة للغاية مثل الوايتهول أو الكريملين ويتخيل نفسه يستطلع المستقبل. ثم يبدأ يقرأ الصحيفة بحرص أكبر، ويجد أول التقارير التي تحدثت عن عقيدة الاندماج العنصري الجديدة في أمريكا، ويقرر أن العالم ينكمش، وأن العواطف تتغير، وأن الأسرة من ويتشيتا قد انتقلت في الواقع إلى مقدمة سياسة «الحدود الجديدة» التي تبناها كينيدي، وحلم الدكتور كينج الرائع. كيف يمكن لأمريكا أن ترسل رجالها إلى الفضاء وهي لا تزال تبقي مواطنيها السود في العبودية؟ وكانت إحدى أوائل الذكريات في حياتي؛ أن أجلس على كتفي جدي أشاهد رواد الفضاء يصلون من إحدى مهام بعثة أبوللو إلى قاعدة هيكام الجوية بعد هبوط ناجح. وأتذكر أن رواد الفضاء بنظاراتهم التي يضعها الطيارون كانوا على مسافة بعيدة للغاية، ولا أكاد أراهم عبر مدخل غرفة العزل. ولكن جدي كان يقسم دائما أن أحد رواد الفضاء قد لوح لي وأنا لوحت له. كان هذا جزءا من القصة التي يرويها لنفسه. لقد دخل جدي مع زوج ابنته الأسود وحفيده الأسمر البشرة إلى عصر الفضاء.
وأي ميناء يكون أفضل من هاواي، أحدث عضو في الاتحاد، لبدء هذه المغامرة الجديدة؟ حتى في الوقت الحاضر - بعد أن تضاعف تعداد سكان الولاية أربعة أضعاف، وبعد أن أصبحت وايكيكي تتاخم مطاعم الوجبات السريعة المختلفة والمتاجر التي تبيع شرائط الفيديو الإباحية والتقسيم الفرعي الذي يزحف دون رحمة إلى كل جزء من التل الأخضر - حتى في هذا الوقت يمكنني تعقب الخطوات الأولى التي خطوتها وأنا طفل منبهر بجمال الجزر. والسطح الأزرق المرتجف للمحيط الهادي. والمنحدرات التي تغطيها نباتات الأشنة الخضراء، والاندفاع الرائع لشلالات مانوا، وزهور الزنجبيل والظلال العالية المليئة بأصوات طيور غير مرئية. وأمواج الشاطئ الشمالي العنيفة، تتحطم كما لو أنها في بكرة شريط سينمائي في عرض بطيء. وظلال قمم بالي الجبلية، والهواء الرطب ذي الرائحة الطيبة النفاذة.
إنها هاواي! ولا بد أنها كانت في نظر عائلتي التي وصلت عام 1959 كما لو أن الأرض نفسها - بعد أن سئمت تدافع الجيوش والحضارة المريرة - أجبرت هذه السلسلة من الصخور الزمردية اللون على البروز حيث يستطيع الرواد من جميع أنحاء العالم أن يملئوا الأرض بأطفالهم الذين ستصبغهم الشمس باللون البرونزي. أما الغزو القبيح لسكان هاواي الأصليين عن طريق المعاهدات الفاشلة، والأمراض العضال التي أحضرتها البعثات التبشيرية، وتجريف التربة البركانية الغنية على يد الشركات الأمريكية من أجل زراعة قصب السكر والأناناس، ونظام التعاقد بين صاحب العمل والأجير الذي جعل المهاجرين من اليابانيين والصينيين والفلبينيين يكدحون دون توقف من شروق الشمس إلى غروبها في هذه الحقول، واعتقال الأمريكيين من أصل ياباني خلال الحرب؛ كل ذلك كان تاريخا حديثا. ومع ذلك ففي الوقت الذي وصلت فيه عائلتي كان ذلك قد اختفى بطريقة ما من الذاكرة الجماعية، مثل ضباب الصباح الذي بددته الشمس. كان هناك الكثير جدا من الأجناس - والسلطة مشتتة للغاية فيما بينهم - مما جعل من الصعب فرض النظام الطبقي الصارم المطبق في الدولة الأم، وعدد قليل للغاية من السود حتى إن أكثر أنصار الفصل العنصري حماسة يمكنهم الاستمتاع بإجازة بأمان في ظل معرفة أن الاختلاط بين الأجناس في هاواي ليس له علاقة بالنظام القائم في الوطن.
ومن ثم، نسجت خيوط أسطورة تقول إن هاواي بوتقة الانصهار الحقيقية، وتجربة في التجانس العرقي. وقد أقحم جدي وجدتي - ولاسيما جدي الذي كان يتعامل مع أناس كثيرين بحكم عمله في الأثاث - نفسيهما في قضية التفاهم المتبادل. ولا تزال هناك نسخة قديمة من كتاب ديل كارنيجي «كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس» على رف مكتبته. وعندما كبرت كنت أسمعه يتحدث بذلك الأسلوب المرح الودود الذي رأى أنه سيساعده في عمله مع زبائنه. فكان من السهل عليه أن يخرج بسرعة صور العائلة ويروي قصة حياته على أول شخص غريب يقابله، ويصافح ساعي البريد ويشد على يديه، أو يلقي دعابات بذيئة على النادلات في المطاعم.
كانت مثل هذه السلوكيات الغريبة تجعلني أشعر بالخجل ولكن كان هناك أشخاص أكثر تسامحا من حفيده يقدرون صفاته الغريبة، حتى إنه كانت له دائرة واسعة من الأصدقاء، مع أنه لم يكن لديه تأثير كبير قط. فقد كان بالقرب من منزلنا متجر صغير يديره رجل أمريكي من أصل ياباني يدعو نفسه فريدي يحتفظ لنا بأفضل شرائح التونة من نوع سكيب جاك لصنع طبق الساشيمي، ويعطيني حلوى رايس كاندي المغلفة بورق أرز يمكن أكله. وفي أوقات كثيرة كان سكان هاواي الأصليون الذين يعملون في متجر جدي عمال توصيل للطلبات يدعوننا لتناول طبق «بوي» المميز لهاواي مع لحم الخنزير المشوي، الذي كان جدي يلتهمه بنهم (أما جدتي فكانت تدخن السجائر حتى تعود إلى المنزل وتقلي لنفسها بيضا). وفي بعض الأحيان كنت أذهب مع جدي إلى متنزه أليئي حيث كان يحب أن يلعب الداما مع فلبينيين كبار السن يدخنون سجائر رخيصة ويبصقون بكميات كبيرة عصارة بذور نبات التنبول التي تبدو كما لو أنها دم. ولا أزال أذكر كيف اصطحبنا رجل برتغالي - كان جدي قد باعه أريكة بثمن جيد - في وقت مبكر من صباح أحد الأيام قبل شروق الشمس بساعات لاصطياد سمك بالحربة من خليج كايلوا. كان هناك مصباح يعمل بالغاز يتدلى من الكابينة في قارب الصيد الصغير وأنا أشاهد الرجلين وهما يغوصان في المياه المظلمة السوداء كالفحم، وضوء كشافيهما يتوهج أسفل السطح حتى يظهرا ومعهما سمكة كبيرة ملونة تضرب بذيلها في طرف أحد الرمحين. وقد أخبرني جدي باسمها في لغة هاواي، وهو هومو-هومو-نوكو-نوكو- أبوا، وقد أخذنا نردده طوال رحلتنا إلى المنزل.
في مثل هذه البيئة، لم يسبب أصلي العرقي لجدي وجدتي الكثير من المشكلات، وسرعان ما تبنيا سلوك الازدراء الذي يتبعه السكان المحليون تجاه الزوار الذين يعبرون عن عدم ارتياحهم فيما يخص هذا الشأن. وفي بعض الأحيان عندما يرى جدي السياح يشاهدونني وأنا ألعب على الرمال، فإنه يقترب منهم ويهمس، باحترام لائق، قائلا إنني حفيد الملك كاميهاميها أول ملوك هاواي. وكان يحب أن يقول لي وهو يرسم ابتسامة عريضة على شفتيه: «أنا واثق من أن صورتك توجد في ألف كتاب للقصاصات يا باري، من ولاية إيداهو إلى ولاية مين.» أظن هذه القصة بالتحديد غامضة، وأرى فيها استراتيجية لتجنب الموضوعات الصعبة، لكن جدي كان يروي قصة أخرى بالسرور نفسه عن تلك السائحة التي رأتني أسبح يوما ما، ودون أن تعرف مع من تتحدث علقت قائلة: «لا بد أن سكان هاواي هؤلاء يولدون ماهرين بالسباحة.» فأجابها جدي إن هذا أمر يصعب اكتشافه إذ إن «هذا الصبي هو حفيدي، وأمه من كانساس ووالده من قلب كينيا، ولا يوجد محيط لمسافة عدة أميال من كلا المكانين.» ففي نظر جدي لم يعد العرق شيئا يستحق أن يقلق المرء بشأنه، فإذا كان الجهل لا يزال باقيا في أماكن بعينها، فسيكون من الباعث على الطمأنينة أن تفترض أن باقي العالم سرعان ما سيلحق بركب الحضارة والتقدم. •••
وفي النهاية أظن أن هذا هو ما كانت تدور حوله جميع القصص عن أبي. فإنهم لم يتحدثوا عن الرجل نفسه بقدر ما تحدثوا عن التغيرات التي حدثت في الأشخاص المحيطين به، والعملية المترددة التي تغير بها موقف جدي وجدتي تجاه العنصرية. لقد أعطت القصص صوتا لروح ستستحوذ على الأمة طوال الفترة القصيرة بين انتخاب كينيدي وإقرار قانون حق التصويت؛ الذي يعد الانتصار الظاهري للعالمية على محدودية التفكير وضيق الأفق، إنه عالم جديد مشرق حيث ستكون الاختلافات في العرق والثقافة مصدرا للتوجيه والتسلية، بل ربما تقود المرء للمجد. إنها قصة خيالية جيدة تطاردني قدر ما كانت تطارد عائلتي، وتستحضر بعض جوانب جنة مفقودة تمتد لأبعد من مجرد حدود الطفولة.
Página desconocida