الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
أحلام في الظهيرة
أحلام في الظهيرة
تأليف
ثروت أباظة
الفصل الأول
حين كان الزمان مثل الموسيقى الحالمة الهادئة، وكان الناس فيه أنغاما ساجية حالمة، ذلك الزمان الذي لم نره نحن وإنما هو بالنسبة إلينا روايات عن الآباء تلقفوها عن الأجداد فأصبحنا ولا نعرف عنه إلا مباهجه ومتعته، الجلسة الهادئة المليئة بالسعادة والضحك والهناء؛ فالأجيال جميعا تحب أن تنظر إلى أمس الغارب، وتكره الحاضر وما تشهده فيه من صراع، وتخشى المستقبل الذي تطل عليها بواكيره مكشرة الأنياب رهيبة السمات.
ذلك الزمان البعيد عنا هو أحب الأزمان إلينا لأننا لم نشهده، ولا نستطيع أن نعرف منه إلا ما حلا للأجداد أن يرووه لأبنائهم الذين هم آباؤنا، ونقله إلينا الآباء سعداء بما ينقلون مقارنين دائما بين الخير الذي كان يشيع في جوانبه، والشر الذي يفشو في الزمان الذي يعيشون فيه. وهكذا أصبح شأننا نحن أيضا. لا يختلف جيلنا الحاضر عن أجيالنا السابقة، فأصبحنا ساخطين تحن نفوسنا إلى هذه الملاوة من الزمن التي كنا فيها بلا مسئولية وبلا صراع، وكان آباؤنا يحملون عنا العبء جميعا ونحن نتصور - كما يتصور أبناؤنا اليوم - أن عليهم أن يحملوا العبء، وعلينا نحن أن نسعد وعليهم هم أن يحبونا، وعلينا نحن أن نحترمهم فقط ثم لا نصنع شيئا من بعد.
في ذلك الزمان البعيد بدأت أسرة وهدان تتكون، وكان رأس الأسرة طفلا بريئا في الملعب يلهو مع أترابه من الأطفال، لا فارق ثمة بين طفل وطفلة، ولا بين قادر بسط الله الرزق لأبيه، وبين معسر قدر الله سبحانه - لحكمة لا يعلمها إلا هو - الرزق على ذويه. في ذلك الزمان كان وهدان يحب نبوية ذلك الحب الطفل الطيب الذي لا يعني عند أي منهما إلا خفقة في القلب، وفرحة عند اللقاء، وشوقا عند التباعد.
Página desconocida