وبعبارة أخرى نقول: إن الأمة التي ترقى فيها مركبة كالأتومبيل مرة كل عام باختراع أداة جديدة لا تعتبر أنها سائرة نحو الحضارة الصحيحة ما لم يرتق دينها وينقح على الأقل مرة في العام أيضا.
والحضارة التي تعنى بمكتشفات العلم لن تكون حضارة صحيحة ما لم تعن بمكتشفات الأدب، والأمة التي تجرب طريقة جديدة لمزج الأصباغ لن تكون حياتها صحيحة ما لم تجرب إلى ذلك طريقة جديدة للمعيشة بين الأفراد، بحيث يساوي رقيها العمراني رقيها الصناعي.
خيمي
مقدمة لطوبى مصرية «الزمان نوع من المكان، فبدلا من أن أقول: منذ ألف سنة حدثت تلك الحادثة، يمكنني أن أقول: إن تلك الحادثة حدثت في المكان الفلاني في الفضاء، في دورة الأرض الفلانية عند حركة الشمس الفلانية ... لو كان تحقيق حركتي الأرض والشمس يمكن تعيينهما في مكان في الفضاء، فأفهم عندئذ من هذا القول ما أفهمه من قولي: منذ ألف سنة حدثت تلك الحادثة، بل يكون فهمي هنا أدق وإدراكي للحادثة أوضح.»
كنت أتلفظ بهذه الألفاظ بصوت أسمعه، كما هي عادتي عندما أريد أن أوضح لنفسي شيئا غامضا؛ لأن اللفظة عندي هي أساس المعنى، وليس المعنى أساس اللفظ.
وأنا في هذا، أحاول أن أميز بين الزمان والمكان، وإذا بالنعاس يغلبني ويكاد يتطور إلى نوم، ثم إذا بوعي العقل الظاهر ينقلب إلى أحلام العقل الباطن، ثم فترة من التردد بين الصحو والغفو ثم النوم، ولكنه لم يكن نوما إلا في ظاهر الجسم، أما في باطن الأعصاب والدماغ فقد كانت الأفكار تتأرجح، والخواطر تترادف وتتجمع، ثم تتشتت وتتبدد ، وبعد برهة فقدت الشعور بزمانها (أو بمكانها) أحسست كأني أنحدر وئيدا إلى حيث ينقشع الظلام وينبلج الضوء ثم استنشقت أنفاس الصباح، بل كرعت منها وعببت فيها، كأني لم أذق طعم الهواء النقي منذ سنين، وهببت من فراشي وأنا أقول: «تأخرت! تأخرت» ولكني قعدت ثانيا في الفراش عندما نظرت إلى ما حولي، فإن الغرفة لم تكن غرفتي، ولا الفراش فراشي، ونظرت إلى الحائط فوجدت معلقا عليه نتيجة وبها هذه الأرقام 7 فبراير 3105.
وتأملت ما حولي فوجدت المرتبة والوسادة واللحاف كلها مصنوعة من الكاوتشوك المنفوخ، والغرفة نظيفة ناصعة، فقلت في نفسي: «لا بد أني كنت مريضا وجاءوا بي إلى هذا المستشفى اليهودي؛ إذ لا شك في أن هذه السنة يهودية تبتدئ من موسى، وموسى جاء قبل المسيح بنحو 1300 سنة، هؤلاء اليهود لا ينسون تاريخهم، ولكني لا أعرف لماذا أحضروني هنا، فإني لا أتذكر أني مرضت.
ثم نظرت إلى جسمي لأرى به علامة جرح أو كسر فلم أجده، فكددت ذاكرتي أبحث عن حادثة في الماضي فلم أهتد، فقمت من الفراش وسرت نحو النافذة، ولكني لم أخط خطوتين حتى صكت أذني صرخة، فالتفت إلى الوراء فرأيت فتاة تعدو وهي تقول: «النائم صحا! النائم صحا!»
ولم تمض دقائق حتى سمعت المستشفى كله يردد هذه العبارة: «النائم صحا!» وبعد نحو ربع ساعة سمعت الشارع كله يتجاوبها. فتحاملت إلى النافذة وأنا أكاد أقع من الضعف، وأطللت فرأيت جموعا من الناس في هيئة غريبة يتصايحون: «النائم صحا! ها هو ذا ينظر! إنه شاحب! قد لا يعيش؛ يجب أن يرد إلى الفراش، أين الممرضات والأطباء؟» وكان الآباء يحملون الأطفال على أكتافهم لكي يروني من الزحام، وحلقت في الجو قريبا من النافذة نحو خمسين طيارة صغيرة، ووقفت ينظر إلي ركابها.
وبينما أنا مشغول بهذا المنظر، وإذا بيد توضع على كتفي، فالتفت ووجدت رجلا نحيفا، طويل الوجه ضخم الرأس، عليه ملامح البنات، يقول لي بصوت عذب: «هل لك أن تعود إلى الفراش؟! أنت ما زلت ضعيفا.»
Página desconocida