فهذا حاصل ما في هذه المسألة ، من اختلاف علماء الإسلام ، ولكن المهم ما هو أرجحها وأصحها ، بواضح الأدلة ، وصحيح النظر ، وفي هذا معترك الأفكار والأنظار ، ومخافة الزلة والعثار ، فإذا نظرنا أولا إلى مدلول الآية - آية الطلاق من سورة البقرة - وهي قوله تعالى : { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } (¬1) ، رأينا أنها تدل على تتابع الطلاق ، بمجرد اللفظ وحده ، ولكنه تتابع المرات ، فيما إذا طلقها ، ثم راجعها ، ثم طلقها ، ثم راجعها ، فهاتان الطلقتان ، هما اللتان يملك فيهما الرجعة ، فإن طلقها بعد ذلك ، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وأما كون المرتين ، بقوله : أنت طالق مرتين ، أو الثلاث ،بقوله : أنت طالق ثلاثا ، فلا يدل عليه مفهوم لفظ الآية الكريمة البتة ، ولذلك قال بعض المفسرين : وإنما قال سبحانه : { مرتان } ، إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون الطلاق مرة بعد مرة ، لا طلقتان دفعة واحدة ، لأنه لو أراد ذلك ، لقال : الطلاق طلقتان ، وما كان مرة بعد مرة ، لم يملك المكلف إيقاع مراته كلها جملة واحدة كاللعان ، فإنه لو قال : أشهد بالله أربع شهادات ، أني لمن الصادقين ، كان مرة واحدة ، ولو حلف في القسامة ، وقال : أقسم بالله خمسين يمينا ، أن هذه قاتلة ، كان يمينا واحدة ، ولو قال المقر بالزنا : أنا أقر أربع مرات أني زنيت ، كان مرة واحدة .
فتلخص من ذلك ، أن الآية تدل على ما ذهب إليه الجمهور ، من تتابع الطلاق باللفظ ، وكذلك اللغة ، والعرف ، لا يقتضيان التكرار بمجرد الألفاظ ، فيما يكون فعله بالمرات المتتابعات ، فما بقي لنا إلا النظر فيما تعضده السنة المطهرة .
¬__________
(¬1) سورة البقرة : 229.
Página 6