Las Ordenanzas Sultánicas
الأحكام السلطانية
Editorial
دار الحديث
Ubicación del editor
القاهرة
الباب الثاني: في تقليد الوزارة
مدخل
...
الباب الثاني: في تقليد الوزارة
وَالْوَزَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: وَزَارَةُ تَفْوِيضٍ١ وَوَزَارَةُ تَنْفِيذٍ.
فَأَمَّا وَزَارَةُ التَّفْوِيضِ فَهُوَ أَنْ يَسْتَوْزِرَ الْإِمَامُ مَنْ يُفَوِّضُ إلَيْهِ تَدْبِيرَ الْأُمُورِ بِرَأْيِهِ، وَإِمْضَاءَهَا عَلَى اجْتِهَادِهِ، وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ جَوَازُ هَذِهِ الْوَزَارَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ مُوسَى ﵊: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ [طه: ٢٩-٣٢] .
فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي النُّبُوَّةِ كَانَ فِي الْإِمَامَةِ أَجْوَزُ، وَلِأَنَّ مَا وُكِّلَ إلَى الْإِمَامِ مِنْ تَدْبِيرِ الْأُمَّةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُبَاشَرَةِ جَمِيعِهِ إلَّا بِاسْتِنَابَةٍ، وَنِيَابَةُ الْوَزِيرِ الْمُشَارِكِ لَهُ فِي التَّدْبِيرِ أَصَحُّ فِي تَنْفِيذِ الْأُمُورِ مِنْ تَفَرُّدِهِ بِهَا؛ لِيَسْتَظْهِرَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَبِهَا يَكُونُ أَبْعَدَ مِنَ الزَّلَلِ وَأَمْنَعَ مِنَ الْخَلَلِ.
وَيُعْتَبَرُ فِي تَقْلِيدِ هَذِهِ الْوَزَارَةِ شُرُوطُ الْإِمَامَةِ إلَّا النَّسَبَ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُمْضِي الْآرَاءِ وَمُنَفِّذُ الِاجْتِهَادِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ عَلَى صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِينَ.
وَيَحْتَاجُ فِيهَا إلَى شَرْطٍ زَائِدٍ عَلَى شُرُوطِ الْإِمَامَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِفَايَةِ فِيمَا وُكِّلَ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْحَرْبِ وَالْخَرَاجِ خِبْرَةً بِهِمَا وَمَعْرِفَةً بِتَفْصِيلِهِمَا، فَإِنَّهُ مُبَاشِرٌ لَهُمَا تَارَةً وَمُسْتَنِيبٌ فِيهِمَا أُخْرَى، فَلَا يَصِلُ إلَى اسْتِنَابَةِ الْكُفَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ، كَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ إذَا قَصَّرَ عَنْهُمْ، وَعَلَى هَذَا الشَّرْطِ مَدَارُ الْوَزَارَةِ وَبِهِ تَنْتَظِمُ السِّيَاسَةُ.
_________
١ قلت: وزير التفويض هو الوزير الذي يعيِّنه الخليفة ليتحمَّل معه مسئولية الحكم والسلطان، فيفوّض إليه تدبير الأمور برأيه، وإمضاءها حَسَب اجتهاده وفق أحكام الشرع، وإيجاد المعاون من المباحات، فيجوز للخليفة أن يعيّن معاونًا له يعاونه ويساعده في مسئولياته وأعماله، فقد أخرج الحاكم والترمذي عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله ﷺ: "وزيراي من السَّمَاء جبريل وميكائيل، ومن الأرض أبو بكر وعمر"، وكلمة الوزير كما في الحديث يراد بها المعين والمساعد الذي هو المعني اللغوي، كما استعمل القرآن الكريم كلمة "وزير" بهذا المعني اللغوي، قال تعالى: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي﴾، أي معينًا ومساعدًا.
كما أنَّ كلمة وزير في الحديث مطلقة تشمل، أي: معونة وأية مساعدة في أيِّ أمر من الأمور، ومنها إعانة الخليفة في مسئولية الخلافة وأعمالها.
1 / 50