336

Ahkam del Corán

أحكام القرآن لابن العربي

Editorial

دار الكتب العلمية

Edición

الثالثة

Año de publicación

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Ubicación del editor

بيروت - لبنان

[مَسْأَلَة الْحِكْمَةُ مِنْ تَكْرَار قَوْلُهُ تَعَالَى إحْدَاهُمَا]
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْله تَعَالَى: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢] فَكَرَّرَ قَوْلَهُ: " إحْدَاهُمَا " وَكَانَتْ الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ الْأُخْرَى، لَكَانَتْ شَهَادَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: فَتُذَكِّرَهَا الْأُخْرَى لَكَانَ الْبَيَانُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ لِتَذْكِرَةِ الذَّاكِرَةِ النَّاسِيَةِ، فَلَمَّا كَرَّرَ إحْدَاهُمَا أَفَادَ تَذْكِرَةَ الذَّاكِرَةِ لِلْغَافِلَةِ وَتَذْكِرَةَ الْغَافِلَةِ لِلذَّاكِرَةِ أَيْضًا لَوْ انْقَلَبَتْ الْحَالُ فِيهِمَا بِأَنْ تَذْكُرَ الْغَافِلَةُ وَتَغْفُلَ الذَّاكِرَةُ؛ وَذَلِكَ غَايَةٌ فِي الْبَيَانِ.
[مَسْأَلَةٌ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ:
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: لَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ عَنْ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ إذَا تَحَمَّلُوا.
الثَّانِي: لَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ عَنْ الْأَدَاءِ.
الثَّالِثُ: لَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ عَنْهُمَا جَمِيعًا، لَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ عَنْ التَّحَمُّلِ إذَا حُمِّلُوا وَلَا يَأْبَوْا عَنْ الْأَدَاءِ إذَا تَحَمَّلُوا.
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ هَذَا النَّهْيِ عَنْ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ نَدْبٌ.
الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ مُطْلَقًا؛ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا حَالَةُ التَّحَمُّلِ لِلشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْأَدَاءِ مُبَيَّنَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣]
وَإِذَا كَانَتْ حَالَةُ التَّحَمُّلِ فَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكَافِيَةِ إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ إبَايَةَ النَّاسِ كُلِّهِمْ عَنْهَا إضَاعَةٌ لِلْحُقُوقِ، وَإِجَابَةُ جَمِيعِهِمْ إلَيْهَا تَضْيِيعٌ لِلْأَشْغَالِ؛ فَصَارَتْ كَذَلِكَ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ؛ وَلِهَذَا الْمَعْنَى جَعَلَهَا أَهْلُ تِلْكَ الدِّيَارِ وِلَايَةً فَيُقِيمُونَ لِلنَّاسِ شُهُودًا يُعَيِّنُهُمْ الْخَلِيفَةُ وَنَائِبُهُ، وَيُقِيمُهُمْ لِلنَّاسِ وَيُبْرِزُهُمْ لَهُمْ، وَيَجْعَلُ لَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كِفَايَتَهُمْ، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ شُغْلٌ إلَّا تَحَمُّلُ حُقُوقِ النَّاسِ حِفْظًا، وَإِحْيَاؤُهَا لَهُمْ أَدَاءً.

1 / 338