294

Ahkam del Corán

أحكام القرآن لابن العربي

Editorial

دار الكتب العلمية

Número de edición

الثالثة

Año de publicación

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Ubicación del editor

بيروت - لبنان

يَنْعَقِدُ لَهُمَا أَمْرٌ إلَّا بِالْوَلِيِّ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُقُودِ، فَإِنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَسْتَقِلَّانِ بِعَقْدِهِمَا.
الثَّالِثُ: إنَّ مَا قُلْنَا أَنْظَمُ فِي الْكَلَامِ، وَأَقْرَبُ إلَى الْمَرَامِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿إِلا أَنْ يَعْفُونَ﴾ [البقرة: ٢٣٧] وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَعْفُو، فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ أَوْ الْمَحْجُورَةَ لَا عَفْوَ لَهَا، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى الْقِسْمَيْنِ، وَقَالَ: ﴿إِلا أَنْ يَعْفُونَ﴾ [البقرة: ٢٣٧] إنْ كُنَّ لِذَلِكَ أَهْلًا، أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ إلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ، وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ هُمَا اللَّذَانِ يَتَصَرَّفَانِ فِي الْمَالِ وَيَنْفُذُ لَهُمَا الْقَوْلُ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا يَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ فِي الْمَالِ بِمَا يَكُونُ حَظًّا لِابْنَتِهِ، فَأَمَّا الْإِسْقَاطُ فَلَيْسَ بِحَظٍّ وَلَا نَظَرٍ.
قُلْنَا: إذَا رَآهُ كَانَ؛ فَإِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ نِكَاحَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِهَا نَفَذَ؛ وَهَذَا إسْقَاطٌ مَحْضٌ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ نَظَرًا مَضَى.
فَإِنْ قِيلَ: فَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ وَلِيٍّ، فَلِمَ خَصَصْتُمُوهُ بِهَذَيْنِ؟ قُلْنَا: كَمَا هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ زَوْجَةٍ وَخُصَّ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْمَحْجُورَةِ.
وَأَمَّا مُتَعَلِّقُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ الزَّوْجُ فَضَعِيفٌ، أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الْأَزْوَاجَ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ اسْتَشْهَدُوا بِهِمَا فَقَدْ ذَكَرَ الْوَلِيَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَجَاءَتْ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا مُبَيَّنَةً وَالْفَوَائِدُ الثَّلَاثَةُ مُعْتَبَرَةٌ، وَعَلَى قَوْلِهِمْ يَسْقُطُ بَعْضُ الْبَيَانِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الثَّانِي فَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَجِيءَ الْعَفْوِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ مِنْ الْجِهَتَيْنِ أَبْلَغُ فِي الْفَصَاحَةِ وَأَوْفَى فِي الْمَعْنَى مِنْ مَجِيئِهِ بِمَعْنَيَيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ أَحَدِ الْعَافِيَيْنِ، وَهُوَ الْوَلِيُّ الْمُسْتَفَادُ إذَا كَانَ الْعَفْوُ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ.
وَأَمَّا نَدْبُ الزَّوْجِ إلَى إعْطَاءِ الصَّدَاقِ كُلِّهِ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرُوا فَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُمَيِّزَ الْوَلِيَّ عَنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ بِمَعْنًى يَخُصُّهُ، فَكَنَّى عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ [البقرة: ٢٣٧] بِكِنَايَةٍ مُسْتَحْسَنَةٍ، فَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي الْفَصَاحَةِ، وَأَتَمَّ فِي الْمَعْنَى، وَأَجْمَعَ لِلْفَوَائِدِ.

1 / 296