Ahkam del Corán
أحكام القرآن لابن العربي
Editorial
دار الكتب العلمية
Número de edición
الثالثة
Año de publicación
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Ubicación del editor
بيروت - لبنان
قُلْنَا: مَعْنَاهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ تَعْتَدَّ، لِأَنَّهُ شَرَعَ قَبْلَ الِابْتِدَاءِ بِطَلَاقَيْنِ فَيَكُونُ الِابْتِدَاءُ ثَالِثَةً، وَلَا طَلَاقَ بَعْدَهَا لِيَكُونَ مُرَتَّبًا عَلَيْهَا، وَيَكُونُ مُعَقِّبًا بِهِ، فَالصَّرِيحُ الْمَذْكُورُ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاقَبَةِ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِدَاءً وَلَكِنْ كَانَ صَرِيحًا، وَدَلِيلُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ طَلْقَتَيْنِ صَرِيحَتَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُمَا إمْسَاكًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحًا بِإِحْسَانٍ، إمَّا بِالتَّرْكِ لِتَبِينَ، وَإِمَّا بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ، فَيَكُونُ تَمْلِيكًا لِلثَّالِثَةِ؛ فَإِنْ افْتَدَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ تَفْتَدِ وَطَلَّقَهَا كَانَ كَذَا، كَمَا أَخْبَرَ بِهِ، فَيَكُونُ بَيَانًا لِكَيْفِيَّةِ التَّصَرُّفِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ مِلْكِ الثَّالِثَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: حَرْفُ الْفَاءِ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَقَدْ رُتِّبَ الصَّرِيحُ عَلَى الْفِدَاءِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] ثُمَّ قَالَ: ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] أَيْ فِيمَا فَدَتْ بِهِ نَفْسَهَا مِنْ نِكَاحِهَا بِمَالِهَا، وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ طَلَاقٍ فَتَكُونُ الْمُفَادَاةُ طَلَاقًا بِمَالٍ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] حَتَّى لَا يَلْزَمَنَا تَرْكُ الْقَوْلِ بِالتَّرْتِيبِ الَّذِي يَقْتَضِيه حَرْفُ الْفَاءِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ مَسَاقُ الْآيَةِ، لِأَنَّهَا سِيقَتْ لِبَيَانِ عَدَدِ الطَّلَاقِ وَأَحْكَامِ الْوَاقِعِ مِنْهُ؛ فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْعَدَدَ ثَلَاثٌ، وَأَنَّ الصَّرِيحُ لَا يَمْنَعَ وُقُوعَ آخَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿مَرَّتَانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الرَّجْعَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩] وَلَا إيقَاعَ الثَّالِثَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهُ: ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩] لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْوُقُوعَ بِبَدَلٍ وَلَا حُكْمِ مَا بَعْدَهُ، فَتَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] أَنَّ الِافْتِدَاءَ بِالْمَالِ عَنْ النِّكَاحِ جَائِزٌ، وَطَلَاقٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَنَّهُ لَا رَجْعَةَ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ بَعْدَهُ رَجْعَةً؛ فَالْآيَةُ سِيقَتْ لِبَيَانِ جُمْلَةٍ، فَيَكُونُ التَّرْكُ بَيَانًا. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ [البقرة: ٢٣٠] فَبَيَّنَ أَنَّ الصَّرِيحَ يَقَعُ بَعْدَ الطَّلَاقِ بِمَالٍ.
قُلْنَا: هَذَا تَطْوِيلٌ لَيْسَ وَرَاءَهُ تَحْصِيلٌ؛ إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩] بِمَا قَدْ تَرَدَّدَ فِي كَلَامِنَا. جُمْلَتُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ مَحْصُورٌ فِي ثَلَاثٍ، وَأَنَّ لِلزَّوْجِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثَةِ الرَّجْعَةَ، وَأَنَّ الثَّالِثَةَ تُحَرِّمُهَا إلَى غَايَةٍ، وَتُبَيِّنَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ تَحْرِيمَ أَخْذِ الصَّدَاقِ
1 / 266