229

Ahkam del Corán

أحكام القرآن لابن العربي

Editorial

دار الكتب العلمية

Número de edición

الثالثة

Año de publicación

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Ubicación del editor

بيروت - لبنان

الثَّانِي: أَنَّ تَطَهَّرَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا يَكْتَسِبُهُ الْإِنْسَانُ وَهُوَ الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ، فَأَمَّا انْقِطَاعُ الدَّمِ فَلَيْسَ بِمُكْتَسَبٍ.
فَإِنْ قِيلَ: بَلْ يُسْتَعْمَلُ تَفَعَّلَ فِي غَيْرِ الِاكْتِسَابِ، كَمَا يُقَالُ: تُقَطَّعَ الْحَبْلُ، وَكَمَا يُقَالُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: تَجَبُّرٌ وَتَكَبُّرٌ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ اكْتِسَابٌ وَلَا تَكَلُّفٌ.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ اللُّغَةِ مَا قُلْنَاهُ، وَقَوْلُهُ: تَقَطَّعَ الْحَبْلُ نَادِرٌ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ حُكْمٌ.
جَوَابٌ آخَرُ: هَبْكُمْ سَلَّمْنَا لَكُمْ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ، فَفِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُسْتَعْمَلُ، فَلَا يُقَالُ تَطَهَّرَتْ الْمَرْأَةُ بِمَعْنَى انْقَطَعَ دَمُهَا.
وَإِذَا لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَقَعْ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهَا، وَهَذِهِ نُكْتَةٌ بَدِيعَةٌ مِنْ الْمَجَازِ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى الشَّيْءِ إذَا كَانَ مُسْتَعْمَلًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ.
وَأَمَّا مَجَازٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ طَرِيقًا إلَى تَأْوِيلِ اللَّفْظِ فِيمَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ؛ وَفِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْجَمَادَاتِ لَا تُوصَفُ بِالِاكْتِسَابِ لِلْأَفْعَالِ وَتَكَلُّفِهَا، وَلِذَلِكَ يَسْتَحِيلُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي أَفْعَالِهِ التَّكَلُّفُ، فَحُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ الضَّرُورَةِ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ خُرُوجَهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَهَذَا جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ.
جَوَابٌ ثَالِثٌ: قَالَ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ: ﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَمَدَحَهُنَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِنَّ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ انْقِطَاعَ الدَّمِ مَا كَانَ فِيهِ مَدْحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِنَّ، وَالْبَارِي سُبْحَانَهُ قَدْ ذَمَّ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَقَالَ: ﴿وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٨٨].
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ، وَلَيْسَ بِرَاجِعٍ إلَى مَا تَقَدَّمَ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: ﴿يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢]؛ وَلَمْ يَجْرِ لِلتَّوْبَةِ ذِكْرٌ. قُلْنَا: سَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

1 / 231