Ahkam del Corán
أحكام القرآن لابن العربي
Editorial
دار الكتب العلمية
Número de edición
الثالثة
Año de publicación
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Ubicación del editor
بيروت - لبنان
مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا. .» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْإِفَاضَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مِنْ عَرَفَاتٍ مُخَالَفَةً لِقُرَيْشٍ؛ قَالَهُ الْجَمَاعَةُ.
الثَّانِي: الْمُرَادُ بِهِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى؛ قَالَهُ الضَّحَّاكُ.
وَإِنَّمَا صَارَ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ رَأَى اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ الْإِفَاضَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَالْإِفَاضَةُ الَّتِي بَعْدَ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ هِيَ الْإِفَاضَةُ إلَى مِنًى.
وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ عُلَمَاؤُنَا بِأَرْبَعَةِ أَجْوِبَةً: الْأَوَّلُ: أَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، التَّقْدِيرُ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ، فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ مَعَ النَّاسِ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ. وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ؛ قَالَهُ الطَّبَرِيُّ.
الثَّانِي: أَنْ ثُمَّ بِمَعْنَى الْوَاوِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ [البلد: ١٧].
الثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَاهُ: ثُمَّ ذَكَرْنَا لَكُمْ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ، فَيَرْجِعُ التَّعْقِيبُ إلَى ذِكْرِ وُجُودِ الشَّيْءِ لَا إلَى نَفْسِ وُجُودِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾ [الأنعام: ١٥٤]. الْمَعْنَى: ثُمَّ أَخْبَرْنَاكُمْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ؛ فَيَكُونُ التَّعْقِيبُ فِي الْإِخْبَارِ لَا فِي الْإِيتَاءِ.
الرَّابِعُ: وَهُوَ التَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَعْنَى فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ: يَا مَعْشَرَ مَنْ حَلَّ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ. وَأَخَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الْخِطَابَ إلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ لِيَعُمَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَمَنْ لَمْ يَقِفْ حَتَّى يَمْتَثِلَهُ مَعَ مَنْ وَقَفَ.
1 / 196