275

Ahkam Quran

أحكام القرآن

Editor

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

Editorial

دار إحياء التراث العربي

Ubicación del editor

بيروت

Géneros

Exégesis
السَّفَرِ وَهُوَ صَائِمٌ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ
فَأَفَادَتْ الْآيَةُ أَنَّ اللَّه يُرِيدُ مِنْكُمْ مِنْ الصَّوْمِ مَا تَيَسَّرَ لَا مَا تَعَسَّرْ وَشَقَّ
لِأَنَّهُ ﷺ قَدْ صَامَ فِي السَّفَرِ وَأَبَاحَ الصَّوْمَ فِيهِ لِمَنْ لَا يَضُرُّهُ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ مُتَّبِعًا لِأَمْرِ اللَّهِ عاملا بما يريده الله مِنْهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ [يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ] غَيْرُ نَافٍ لِجَوَازِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ بَلْ هو دال على أنه إن كان يضره فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ غَيْرُ مُرِيدٍ مِنْهُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَهُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ صَامَ فِي السَّفَرِ أَجْزَأَهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ إثْبَاتُ الْعُسْرِ وَلِأَنَّ لَفْظَ الْيُسْرِ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِذَا كَانَ مُخَيَّرًا فِي فِعْلِ الصَّوْمِ وَتَرْكِهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ وَالْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ وَكُلَّ مَنْ خَشِيَ ضَرَرَ الصَّوْمِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى الصَّبِيِّ فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ لِأَنَّ فِي احْتِمَالِ ضَرَرِ الصَّوْمِ وَمَشَقَّتِهِ ضَرْبًا مِنْ الْعُسْرِ وَقَدْ نَفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ إرَادَةَ الْعُسْرِ بِنَا وَهُوَ نَظِيرُ مَا
رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا
وَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي أَنَّ كُلَّ مَا يَضُرُّ بِالْإِنْسَانِ وَيُجْهِدُهُ وَيَجْلِبُ لَهُ مَرَضًا أَوْ يَزِيدُ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْيُسْرِ نَحْوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَى الْحَجِّ وَلَا يَجِدُ زَادًا وَرَاحِلَةً فَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْيُسْرَ وَهُوَ دَالٌّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَنْ فَرَّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى الْقَابِلِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الْعُسْرِ وَنَفْيِ الْيُسْرِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَائِرَ الْفُرُوضِ وَالنَّوَافِلِ إنَّمَا أُمِرَ بِفِعْلِهَا أَوْ أُبِيحَتْ لَهُ عَلَى شَرِيطَةِ نَفْيِ الْعُسْرِ وَالْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ رَمَضَانَ مُتَفَرِّقًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ عَقِيبَ قَوْلِهِ [فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ] وَدَلَالَةُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ [يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ] قَدْ اقْتَضَى تَخْيِيرَ الْعَبْدِ فِي الْقَضَاءِ وَالثَّانِي أَنَّ قَضَاءَهُ مُتَفَرِّقًا أَوْلَى بِمَعْنَى الْيُسْرِ وَأَبْعَدُ مِنْ الْعُسْرِ وَهُوَ يَنْفِي أَيْضًا إيجَابَ التَّتَابُعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُسْرِ وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ وَمَنْعِهِ التأخير لأنه بنفي مَعْنَى الْيُسْرِ وَيُثْبِتُ الْعُسْرَ وَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ على بطلان قوله أَهْلِ الْجَبْرِ وَالْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهُ يُكَلِّفُ عِبَادَهُ مَا لَا يُطِيقُونَ لِأَنَّ تَكْلِيفَ الْعَبْدِ مَا لَا يُطِيقُ وَمَا لَيْسَ مَعَهُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ مِنْ أَعْسَرِ الْعُسْرِ وَقَدْ نَفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ إرَادَةَ الْعُسْرِ لِعِبَادِهِ وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ مَنْ حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فِي الصَّوْمِ فَاعِلٌ لِمَا لَمْ يُرِدْهُ اللَّهُ مِنْهُ بِقَضِيَّةِ الْآيَةِ وَأَهْلُ الْجَبْرِ يَزْعُمُونَ أَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ الْعَبْدُ من

1 / 277