Conversaciones del pueblo: historias y recuerdos
أحاديث القرية: أقاصيص وذكريات
Géneros
السيدة (ضيقة) يقول أهل القرية، فكم أماتت من أبقار وغنم ومعزى وحمير رعت العشب من أرضها، وسركيس الكريدي مات محروقا؛ لأنه كان يزعج وكيل وقفها - الخوري يوسف مسرح - ويطالبه باسترداد عقار أبيه وجده الذي اغتصبه الوكيل المذكور وضمه لأملاك السيدة.
أجل لقد نكبت سيدة البياض قرية عين كفاع الهادئة بمصائب جمة، منذ وطئت أرضها أقدام هذا الخوري، لقد أقلقها في حياته، وأزعجها في مماته، فنكبة مارينا الأرملة التي ترى، من مآثر هذا الكاهن التي لا تحصى، فسجلات محاكم كسروان والبترون وبعبدا على عهد المتصرفية حافلة بالدعاوى التي أقامها المحترم، على أهالي القرية، ولم ينج منها إلا نفر.
عفاه رستم باشا بمرسوم خاص من الرسوم، فأخذ يقيم الدعاوى بلا روية، فتساق الناس إلى دوائر الحكومة. وليس أبغض إلى القروي الهادئ المطمئن من رؤية جندي يبلغه دعوة إلى محكمة. أما الخوري يوسف مسرح فماذا يهمه؟ فرسه عنده عليقها من كيس الوقف ومرعاها زروع القرية، ومن يردها عن زرعه يزور غزير، وينام في (بيت خالته). وهكذا قضى الخوري حياته بين كسروان والبترون وبعبدا وبتدين وبكركي وبيروت وحريصا؛ لأن دعاويه كانت تتناول حتى رئيسه الروحي بطرك الموارنة، فلا تراه إلا على فرسه رائحا جائيا على سيف البحر. وأخيرا ركب البحر ابن سبعين ليبلغ شكواه الحبر الأعظم بابا روميه.
2
ما انسلخ جلد الليل وانشق الفجر حتى كان الحمار وعليه خرج من الجنفيص بباب مارينا، وكان أولادها اليتامى يروحون ويجيئون واحدا إثر واحد، هذا يحمل الرداء، وتلك الحذاء، وذاك كيسا وتلك صرة، والمكاري يحشو بها الخرج مراعيا التوازن بين عينتيه، وكلما وضع قطعة هز رأسه أسفا.
وبعد هنيهة أطلت مارينا من البوابة بوجهها الكالح المجعد وقامتها الطويلة النحيلة، عليها فسطان أسود بسيط طويل فضفاض مشدود على خصرها النحيل، فوقفت على عتبة الباب كأنها تتذكر إذا كانت ناسية شيئا من عدة السفر، فما وقع بصرها على المقبرة حتى صرخت بملء فيها: على من تركتني يا جرجس. قم وانظر مارينا على طرقات البحر، من يعول اليتامى يا جرجس، من يفض المشاكل يا جرجس، يا ويلي أنا امرأة أرملة مسكينة كلمتي غير مسموعة. من يخلصني يا ناس، من يخلصني. يا يوسف، قم وانظر أمك كيف صارت، الله يبلي الذين بلوني، يا ضيعان التعب! عشرين سنة في أميركا قضيناها حتى نرتاح في آخرتنا، أين الراحة، اشترينا الهم والتعب. راح المال والرجال، راح المال والرجال يا حسرتاه، يا ذلي!
فجاء أهل القرية جرد العصا على هذا الصراخ الشاذ - وفي القرى يستيقظون باكرا - والتموا على صراخ مارينا الذي لم يسمعوا مثله إلا يوم أصيب ابنها يوسف الشاب بنوبة أخذته، ويوم مات زوجها جرجس فجأة بعد ولده يوسف بثلاثة شهور.
فرأوا مارينا مصروعة فتجمعوا عليها يسعفونها. ودواء من يغمى عليه في القرى رقعة تحرق، فأفاقت مارينا وهي تردد: يا عذرا، يا عذرا، يا عذرا، الله ينتقم منك يا ...
فأخذ الناس يهدئون ثورتها ويصبرونها على بلواها، وهي تفور كالقدر الهائج قاذفة اللعنات بالمئات والألوف من قلب مقروح، ولما شفت نفسها همدت فقال لها المكاري: قومي يا مارينا، تعالي يا ست، الله يرضى عليك. النهار شبر، لا نصل إلى جبيل قبل غدا الرهبان. عجلي قومي راحت الغدوة. أيش ينفع الصراخ هنا، صرخي عند سيدنا البطرك. الله معك، يا الله قومي.
فما فاه المكاري بكلمة سيدنا حتى ازرق وجه مارينا وفاض على لسانها ما امتلأ به قلبها، وأعادت الكرة فامتلأ الجو سبابا وشتائم.
Página desconocida