والباحث إن لم يستطع تذليل هذه العقبة خرج من بحثه عقائديا يدافع عن عقيدة لا دارسا يبحث عن حقيقة.
ولما أدركت هذه الحقيقة حاولت في بحثي هذا أن لا أنقاد لعواطفي في أم المؤمنين عائشة، وتكريمي لها، كزوج للرسول الأكرم من ناحية، وألا أجرد الشخصيات الاسلامية المحترمة، التي يدور البحث حولها عن فطرة الله التي فطر الناس عليها من ناحية ثانية كي أستطيع القيام بدراسة موضوعية لأحاديثها. ولست أزعم أني نجحت في هذه المحاولة ولكني بذلت الجهد في هذا السبيل، والحكم لغيري في ذلك والله يعلم أن الذي حداني إلى هذه الدراسة إنما هو رجاء انتفاع دارسي التاريخ الاسلامي، ودارسي قرآنه وأحكامه من هذا البحث، والله من وراء القصد.
وثانيا: يعترض الباحث فيما إذا وفق إلى ترويض نفسه، وتذليل العقبة الآنفة الذكر عقبة أخرى بعدها، وهي الخوف من تأثير نشر هذه الدراسات على وحدة كلمة المسلمين، بعد أن بدأت تظهر في هذا العصر بشائر تألفهم وتآخيهم نتيجة لبذل المصلحين جهودا كبيرة في سبيل ذلك. وهل يجوز لمن يغار على مصالح المسلمين أن يبحث اليوم في الماضي السحيق، وينشر منه ما يوجب النقد والرد، ويثير الحفيظة، وينتج النفرة؟! وإذا كان ذلك مما لا يستسيغه أحدا، إذن فليمتنع الجميع عن البحث والتحقيق كي لا يسبب ذلك عقم جهود المصلحين، ويؤدي بالمسلمين إلى مالا يحمد عقباه!.
أما نحن فلا نرى هذا. فإننا حين ندعو الله مخلصين أن يوفق المسلمين لتلبية نداء المصلحين بنبذ الحزازات وتوحيد الكلمة، لا نريد ذلك على حساب العلم والمعرفة، ونعتقد أن المصلحين أنفسهم أيضا لا يريدونها كذلك، فإن المصلحين الغيارى يدعون إلى الاجتماع على صعيد الاسلام، والاسلام ليس برأي سياسي دولي، وإنما هو إيمان وعقيدة، وهما لا يتأتيان من كتم الحقيقة، بل إنهما ينتجان من البحث والنقد العلمي الخالص، على أن لا ينبعث ذلك من هوى النفس بدافع الحب والبغض.
Página 19