المدرسة الرمزية
وفي فرنسا نفسها لا تجد هذه المدارس في القمم العالية أو الأعلام البارزة من أفذاذ الأدب المعدودين، وإنما تجدها في بيئات الأوساط وأشباه الأوساط الذين يخضعون لموجات التقلب وحركات التكلف والاصطناع.
أما أعلام الأدب الفرنسي من أمثال موليير وراسين وفولتير وشاتوبريان ولامرتين وهوجو وموسيه وأناتول فرانس وبروست فأنت لا تجدهم تحت راية من هذه الرايات، ولا على شارة من هذه الشارات، وإذا بدت على أحدهم مسحة من هذه الصبغة أو تلك فهي مسحة لا تنحرف به قط عن اللونين الخالدين اللذين يرجع الانقسام بينهما إلى طبيعة الإنسان لا إلى تقلب الأزياء بين جيل وجيل، وهما لون الواقعية ولون المجازية أو لون البساطة ولون التنسيق، وسمهما بعد ذلك بما تشاء من الأسماء. (2) ظهور الرمزية
وكان الصف الأول من صفوف الطليعة في هذه المدارس هو صف الأحياء، أو صف الأساليب اللاتينية واليونانية القديمة، ولا يخلو من دعوة إلى بساطة «الطبيعة» على ألسنة الفلاسفة والشعراء.
ثم تفنن الأدباء في المجاز على أنماط شتى من الأساليب المزوقة التي يوشك أن تتعدد بتعدد الآحاد. فأسلوب هوجو مجازي، ولكنه مجاز يريك الدنيا كأنها في موكب دائم من الطبول والأبواق ومن الغنائم والأسلاب؛ وأسلوب لامرتين مجازي ولكنه مجاز يريك الدنيا كأنك تعيش منها أبدا في عالم مسحور تتهامس فيه الأرواح وتتخافت فيه الأصداء.
واتفق في الأيام الأخيرة من هذه المدرسة المجازية أن شاعت مباحث العلم ومقررات العلماء المحدثين، فظهرت المدرسة الواقعية والمدرسة البرناسية ونزعت كلتاهما إلى الأسلوب المدرسي البسيط - أسلوب اللاتين واليونان - ممزوجا بلون الدراسات العلمية التي اشتغل بها كل عقل مثقف في عهد المدرسة البرناسية على التخصيص.
ويدل اسم المدرسة البرناسية على مذهبها بعض الدلالة، لأن أصحابها يسمون أنفسهم بالبرناسيين المعاصرين منتسبين إلى البرناس وهو جبل أبولون وعرائس الفن في اليونان القديمة، فالبرناسيون المعاصرون مدرسيون من ناحية الاقتداء بأعلام الأدب اليوناني القديم، ومحدثون علميون من ناحية التجديد العصري على نمط لم يعرفه قدماء اليونان.
وكان شعارهم «الكلمة المحكمة» أي الكلمة في موضعها الذي لا تتجاوزه للتنميق أو للتهويل، وعقيدتهم «أن الفن للفن» بغير قصد آخر غير إحكام التعبير وحسن الأداء.
وأفرط البرناسيون كما يفرط الدعاة إلى المدارس الخاصة فيندفعون فيها إلى الطرف الآخر، أو إلى حيث يحسن الارتداد والرجوع، وكان إفراطهم هذا مسوغا بعض التسويغ لظهور الرمزيين. (3) مسوغات الرمزية
والتعبير بالرموز عادة قديمة في تعبير الإنسان؛ بل عادة قديمة في بديهة الإنسان.
Página desconocida