وأحسن الطالب أيضا في التفرقة بين الحركتين، لأن إحداهما سياسية وهي الفوضوية، والأخرى أخلاقية أدبية وهي الوجودية، وما بينهما من التوافق العرضي فإنما هو من طريق المصادفة السلبية، حيث يتفق المنكرون للأسس القائمة في بعض الأمور وإن تفرقوا في الأسباب والأغراض.
بل تكاد الحركتان تتناقضان في مبدأ أصيل يميز كلا منهما ويرجع إليه الفارق الأكبر بينهما.
فالوجودية تعول على استقلال الفرد كل التعويل، ولا وجودية في رأي من الآراء بغير هذا الاستقلال.
والحركة الكبرى من حركات الفوضوية - وهي المعروفة بالفوضوية الشيوعية - تخرج الفرد من حسابها وتكاد تمحوه في سبيل الجماعة، ولم تنشأ الوجودية إلا بمثابة احتجاج الفرد على طغيان الجماعة وتهوينها من شأن الاستقلال الفردي في الحركات الاجتماعية، ولا استثناء في ذلك للديمقراطية ولا للاشتراكية المعتدلة ولا لدعوات التأميم والخطط المرسومة لتنظيم العمل والثروة.
فالوجودية في ناحية من نواحيها الهامة احتجاج على الفوضوية كلها واحتجاج على الفوضوية الشيوعية قبل غيرها، وما يتلاقيان فيه من إنكار التسلط فإنما هو مصادفة عرضية لا تلبث أن تبتدئ على اتفاق حتى تتشعب على شقاق ونضال. لأن إنكار التسلط في الحركة الفوضوية يحمل بين طواياه إنكار المزايا الفردية ورد الأمر كله إلى الجمهرة الغالبة بالعدد والكثرة دون القيمة والكفاية.
إلا أن الحركتين تتشابهان في خصلة واحدة وهي أنهما معا غير مفهومتين على اتضاح وجلاء، لكثرة الشعب التي تتفرع عليهما وكثرة الأدعياء الذين يلصقون بهما وكثرة الآخذين منهما بالقشور دون اللباب.
الفوضوية لا تنكر النظام
فالذي يسبق إلى الذهن من اسم الفوضوية - ولا سيما اسمها باللغة العربية - أنها تبطل النظام وتلغيه وتدعو إلى مجتمع مطلق من الآداب لا نظام فيه.
وهذا غير صحيح.
لأن الفوضوية إنما تنكر «التسلط» كما قال الطالب النجيب في خطابه، ولكنها لا تنكر الهيئات التي تتولى الأعمال العامة بالمشاركة والمشاورة، ولا تلغي هيئة واحدة لازمة للتعليم أو لصيانة الصحة أو لإدارة المصانع أو لتوزيع المطالب والحاجات.
Página desconocida