وإذا جاز في المجتمع أن تنشأ مصلحة للآثار لا تبيع تحفها ولا تساوم عليها فقد جاز في هذا المجتمع نفسه أن تصف أبا الهول بمقال أو عدة مقالات، وجاز فيه أيضا أن تحكي تلك الآثار بصناعة الصور والتماثيل.
ومن السخف أن يقال إن الطبقة الحاكمة هي التي تنجرف بالأدب عن خدمة المجتمع لخدمة مصالحها ومآربها. وأن الأمر لو وكل إلى الشعب لما نظم أحد شعرا ولا كتب حرفا في غير القوت والكساء والدواء وما يلحق بهذه الأشياء.
فقد عرفنا الأدب الشعبي بمصر سبعة قرون متوالية، فلم نعرف فيه هذه الشروط ولا تلك الموانع، ولم نعرف له صبغة عامة غير الصبغة الإنسانية التي تعم جميع الطبقات في جميع الأوقات.
على أي موضوع كان الأدب الشعبي يدور بمصر منذ القرن السادس للهجرة؟
إنه كان يدور على ملاحم أبي زيد الهلالي والزناتي خليفة والزير سالم وسيف بن ذي يزن وغيرهم من أبطال هذا الطراز.
وقد اختلفت الهيئة الحاكمة خلال هذه القرون من الدولة الفاطمية إلى الأيوبية إلى دول المماليك إلى الدولة العلوية.
واختلفت الأحوال الاقتصادية من رواج النقل في تجارة المشرق والمغرب، إلى انقطاع الصلة بينهما، إلى نشأة الزراعة القطنية، إلى تجدد المعاملات التجارية بين القارات الشرقية والغربية.
وفي جميع هذه القرون كانت قصة أبي زيد هي هي، وقصة الزير سالم على نسختها الأولى، وقصة الذوين والتبابعة مسموعة في القرن الثالث عشر كما كانت تسمع قبل ذلك بثلاثة أو أربعة قرون.
وهذا هو رأي الشعب في الأدب الشعبي، لا سلطان عليه للطبقة الحاكمة لأن هذه الطبقة الحاكمة كانت تجهل اللغة التي نظمت بها قصائد السيرة الهلالية وما شابهها، ولأن قبائل بني هلال وبني تغلب وبني من شئت من الآباء لم يكن لها سلطان على الدولة الحاكمة، ولا كانت الدولة الحاكمة معتزة بهم أو جارية في نظام المجتمع على مثالهم.
فلماذا أقبل الشعب على تلك الملاحم يسمعها ولا يمل سماعها سبعة قرون أو تزيد؟
Página desconocida