Ideas y Hombres: La Historia del Pensamiento Occidental

Mahmud Mahmud d. 1450 AH
62

Ideas y Hombres: La Historia del Pensamiento Occidental

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

Géneros

والمسيحية من ناحية رابعة كانت تجتذب نوعا آخر من الأفراد الذين لهم أهميتهم القصوى، أولئك هم الرجال «العمليون» المبرزون في النشاط والتنظيم. ومن الأوهام التي أزالتها المسيحية، وهو وهم يقوم في أذهان المحافظين أحيانا بشأن الثائرين (وقد كان المسيحيون الأوائل ثائرين)، هو أن الحركات الثورية تموج كلها بأشخاص غير عمليين. ويصدق هذا بطبيعة الحال على حركات جريئة صغيرة هامشية - وحتى في هذه الحركات يحتمل أن يوجد قليل من الرجال أصحاب العقول القوية. ومن قديم كانت الحركات الثورية تجتذب رجالا يرون فيها ولا شك فرصة لإشباع أطماعهم وحبهم للنفوذ، بل ورغبتهم في الثراء، ولكنهم يرون فيها أيضا فرصة لإنجاز بعض الأعمال، ولتطهير هذا العالم المضطرب وجعله مكانا أفضل، والرجال الذين اشتغلوا في الكنيسة المسيحية الأولى: الشمامسة، والقسس، والأساقفة، أولئك الرجال المسئولون عن التنظيم المسيحي الذي يدعو إلى الإعجاب، والمسئولون عن تلك الصفات الكامنة في القوة «السياسية» الداخلية التي تفوقت فيها المسيحية بشكل ظاهر على منافسيها في الثقافات الشرقية؛ هؤلاء الرجال - مهما يكن شأنهم - يستحقون أن ينعتوا بألفاظ الثناء الأمريكية الحديثة المباركة، وهي قولنا عن الرجل إنه «كفء» أو «عملي».

والمسيحية من ناحية خامسة ورثت عن أصولها اليهودية شمولا أوقفها موقفا قويا، وقد استطاعت خلال سنوات نموها الحرجة أن تتمسك به ؛ ذلك أن المسيحية كانت دائما ترفض أن تحالف أي مذهب آخر. وحتى ما أسميناه التوفيق في المسيحية - وقد رأينا أن المسيحية من وجهة نظرنا فيها عنصر توفيقي - يستحق أن يوصف بكلمة أقوى في التعبير من كلمة «الاستعارة». كان المسيحيون يضمون أو يتخذون لأنفسهم عقيدة أو عبادة، ويصرون في غيرة أنها احتكار للمسيحية. كانت الثقافات الأخرى كلها من غير شك تتفق وعبادة الإمبراطور. ولم يستطع المسيحي أن يضع ذرة من بخور على مذبح مقدس لقيصر ويبقى مع ذلك مسيحيا طيبا. ومن المؤكد أن التقاليد المسيحية بالغت في أهوال الاضطهاد - الرسمي وغير الرسمي - التي كان يتعرض لها المؤمنون، كما أنها بالغت في مدى إيثار المسيحيين المضطهدين القسوة الشديدة على الارتداد عن الدين. ومع ذلك فقد تعرض المسيحيون للاضطهاد حينما كان المؤمنون بمترا مثلا هم المفضلين عند الجيش الروماني القوي. والاضطهاد - عندما يبلغ درجة معينة - يقوي الفئة المضطهدة بطريقة دنيوية بحت. والاضطهاد على أقل تقدير يدفع المضطهدين إلى وحدة أشد تماسكا وأكثر نظاما. وقد تميز المسيحيون الأوائل بالوحدة بالرغم من ظهور الزندقة عندما خف الضغط.

وموجز القول أن المسيحية - من وجهة نظر طبيعية وتاريخية - لم تتغلب على منافسيها لسبب واحد، وإنما تغلبت عليهم لتوافر عدة عوامل مساعدة في آن واحد، وهي عوامل يؤثر أحدها في الآخر. كان وعد المسيحية بالخلاص وعدا محسوسا جذابا كأي وعد تقدم به منافسوها. والخلاص في المسيحية لا يأتي إلا بعد الموت، ويمكن - بمعنى ما - أن يكون مؤكدا إذا كان الفرد فقيرا، متواضعا، محروما. وقد أكسبت هذه الحقيقة المسيحية جاذبية عظمى للجماهير العاملة في الإمبراطورية الرومانية، ومع ذلك فقد أفسحت دقائق القواعد الدينية في العقيدة الجديدة المجال لأصحاب الفكر، كما أن مداها في التصوف جعل الفرار من هذه الدنيا مسكنا لكثير من أصحاب النفوس العاطفية والخيالية. وكذلك كانت للمشكلات العملية المتصلة بتنظيم ما كان من غير شك قوة عظمى فوق هذه الأرض جاذبية عظمى للرجل العملي الذي يتميز بطاقاته الإصلاحية. كما أن الإحساس بالرسالة، والإحساس بالانفصال عن الجماعات الوثنية والاستعلاء عليها، وصنوف الاضطهاد التي كانت تقوم بها حكومة كانت ترى في سلك أتباع المذهب الجدد ما يحيرها وما قد تعده خيانة، كل ذلك اتحد ليجعل من المسيحيين الأوائل فريقا متضامنا في العمل؛ فتماسك المسيحيون، وتعاونوا، طوال عهد الإمبراطورية. وكان المسيحيون يديرون الإمبراطورية وهم على بعد زمني من المسيح يساوي بعدنا عن المهاجرين الأوائل إلى فرجنيا وإنجلترا الجديدة.

لم يكونوا مثل الصيادين في الجليل الذين أنصتوا لكلمات يسوع. ومع ذلك فقد كانت هذه الكلمات أمامهم، كما هي أمامنا اليوم: «إنه لأيسر للجمل أن يدخل في سم الخياط من أن يدخل الرجل الغني مملكة السماء.» و«بارك الله في الوديعين؛ فهم الذين سوف يرثون الأرض.» «ولذلك أقول لكم لا تفكروا في حياتكم، وفيما تأكلون، وفيما تشربون. ولا تفكروا في أبدانكم، وفيما تلبسون.» والمقابلة التي تقدمها الآن ليست عادلة - كما أود أن أوضح - وإن تكن واقعية؛ لأن الأغنياء، والمتكبرين، وأولئك الذين يهتمون بما يأكلون، وما يشربون، وما يلبسون، يرودون الكنائس في هدوء منذ نحو سبعين جيلا، وينصتون إلى هذه الآيات، ولا يلبثون على ثرائهم، وتكبرهم، وعلى شديد اهتمامهم بما يأكلون، وما يشربون، وما يلبسون.

وإذن فهناك مشكلة. هل كان انتصار المسيحية هو في الوقت عينه فشل المسيحية «الحق»، المسيحية البدائية، مسيحية يسوع؟ إن العصاة داخل الكنيسة المسيحية وخارجها قد اتهموها خلال هذه الأجيال السبعين أو ما يقرب منها بالتخلي عن الطريق المسيحي لكي تسير على الطريق الدنيوي. وقد وجهوا إلى هؤلاء المسيحيين الظافرين قول المسيح: «ماذا يجدي المرء، إذا هو كسب الدنيا كلها، وخسر نفسه؟» وقد حان الوقت لكي نقدم على تلك المهمة الشاقة؛ مهمة تقدير مكانة المسيحية المنظمة في تقاليد المجتمع الغربي.

أسلوب الحياة المسيحية

ربما يزعج القارئ أننا نصر دائما على أن نكتب عن المسيحية من الخارج باعتبارها سلسلة من العلاقات بين الكائنات البشرية. ولكننا يجب أن نذكر الحكمة في ذلك في ثبات مرة أخرى؛ لأننا إذا نظرنا إلى المسيحية هذه النظرة، توقعنا أن تكون المسيحية الظافرة في مجلس نيقية - العقيدة الرسمية في أعظم إمبراطورية في العالم - مخالفة كل المخالفة لمسيحية المسيحيين في الجليل، ولو أن المرء - من ناحية أخرى - اعتبر العهد الجديد التعبير النهائي عن العقيدة المسيحية، لخرج من ذلك قطعا لا بأن مسيحية القرن الرابع تختلف عن المسيحية الأولى فحسب، بل بأن مسيحية القرن الرابع لم تكن مسيحية بتاتا.

ولنضرب لذلك مثالا وضعيا: إن الولايات المتحدة في عام 1950م لا تشبه كثيرا إنجلترا الجديدة في عهدها الأول. قف لحظة في بليموث عند التل الذي يتمتع بالحماية وتقوم عليه المنازل الأنيقة، التل الذي يعرف باسم «صخرة بليموث»، وراقب جمهور السائحين الصاعدين التل في عرباتهم، وانظر إليهم وهم يفحصون الصخرة (بمختلف التعليقات، وكثير منها نكات) ويشترون التذكارات، والملبن الممزوج بالماء الملح، وزجاجات الصودا من الباعة المتجولين، ثم ينطلقون. إنك لو فعلت هذا لما وجدت مندوحة عن التعجب عما عسى أن يظن آباؤنا المهاجرون بكل هذا. هل يتعرفون إلى أبنائهم الذين خلفوهم؟ أم هل يشعرون أن أمريكا التي نجحت كل هذا النجاح الضخم قد كسبت الدنيا ولكنها خسرت نفسها.

كل منا منذ القرن الرابع مسيحي على صورة من الصور، وهو على أقل تقدير مسيحي ب «الاعتراف». ولم يكن بوسع الكثيرين من أفراد المجتمع الغربي أن يعترفوا صراحة وجماعة بالإلحاد، أو اللاأدرية، أو بمذهب الاتصال بالله، أو بأية عقيدة أخرى غير المسيحية إلا خلال القرون القلائل الأخيرة، وقد كان الكفار الذين يجاهرون بكفرهم قلة نادرة في ألف السنة التي استغرقتها العصور الوسطى. ولما كان الناس جميعا مسيحيين، فلم يكن هناك مفر من أن تكون المسيحية هي كل شيء لكل الناس؛ فلقد كان القديس فرانسيس، وأرازمس، ولويولا، ومكيافيلي، وباسكال، ووزلي، ونابليون، وغلادستون، وجون روكفلر، جميعا مسيحيين، ونستطيع بطبيعة الحال أن نقول إن بعضا من هؤلاء فقط كانوا مسيحيين حقا، ولكنك لا تستطيع أن تصنف المسيحيين كما يستطيع عالم النبات أن يصنف النبات. ومهما يكن من أمر فإنك لن تستطيع في تصنيفك أن تظفر بنوع الاتفاق الذي يظفر به العالم بأنواع النبات.

ولو أنك أردت أن تتجنب الأفكار المجردة وما ليس بالأمر الواقع مما لا بد أن يصاحب أية محاولة للتعميم على مستوى رفيع، فلا مناص لك من أن تقصد الآباء أنفسهم، أولئك المواطنين في الدولة العالمية الرومانية الذين التمسوا في المسيحية طريقا للخلاص من المصاعب التي واجهوها في مجتمع ملحد، وهم في كثير من النواحي صفوة مجتمعهم، رجال صمموا على أن يصلوا إلى جذور المتاعب التي يحسونها. وهم ليسوا بالتعبير الحديث - من المتهربين. وبعضهم من الباحثين، رجال ربما لا يعدون أن يكونوا باحثين - مثل جيروم - لو كانوا في مجتمع آخر وثقافة أخرى، وقد ولد بعضهم إداريين، ولكنهم تحولوا إلى باحثين فكريين أو عاطفيين بسبب الأزمة التي واجهوها، مثل إمبروز، بل وأوغسطين، وبعضهم طموح، مثالي، يريد الإصلاح، والكمال، لا يرضيهم حتى العالم الآخر، مثل ترتوليان، ولكنهم يشتركون جميعا في إحساسهم بالرسالة، وإحساسهم بالانتماء إلى شيء يتجاوز أي أمر عرفه الناس أو أحسوه من قبل. يوجهون جميعا أنظارهم نحو إيمان عاطفي جديد، إيمان مستحدث، مغامر، غاز - وإن يكن من بينهم الرجل المتحذلق ورجل العمل.

Página desconocida