Ideas y Hombres: La Historia del Pensamiento Occidental
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
Géneros
إن معرفة كيفية سلوك الناس في الماضي لها أهمية قصوى لأولئك الذين يعملون مباشرة في ميدان العلاقات الاجتماعية، إما كعلماء اجتماعيين أو كرجال عمليين. وسنرى في فصل مقبل من فصول هذا الكتاب أن موضوع الفوائد التي تعود من الدراسة التاريخية، وحدود هذه الدراسة، كان من الموضوعات التي ثار حولها جدل كثير في مراحل معينة من حضارتنا الغربية وقد كان هناك دائما أفراد يرون أن دراسة التاريخ ليس من ورائها جدوى، بل هي شر، وحد من إمكان تحليق الروح إذا لم يجذبها التاريخ إلى أسفل. ولكن الحكم العام لحضارتنا الغربية هو أن معرفة التاريخ هي على أقل تقدير نوع من امتداد الخبرة الفردية، ومن ثم فإن لها قيمتها للذكاء البشري الذي يستغل الخبرة. ومن المؤكد أن نوع المعرفة الذي أسميناه تراكميا - العلوم الطبيعية - يلتزم بالرأي الذي يؤمن بأن التعميمات الصالحة يجب أن تعتمد على الخبرة الواسعة التي تشمل ما نسميه عادة بالتاريخ. ومن ثم فإن العلوم التاريخية أو التكوينية - كالجيولوجيا التاريخية أو الباليونتولوجيا - هي في أهمية العلوم التحليلية كالكيمياء فيما تحققه العلوم الطبيعية. وللتاريخ نفس الضرورة في العلوم الاجتماعية.
وإذا أريد للعلوم الاجتماعية أن تتقدم وجب على التاريخ في الواقع أن يتمم العمل الميداني والتجربة. إن تسجيل ما أداه الناس في الماضي لازم لإنقاذنا اليوم من ضياع أوقاتنا في دياجير الظلام. وتشتغل اليونسكو - منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة - بدراسة تعاونية فسيحة المجال للتوتر الذي يهدد بالانفجار في شكل صراع عنيف. ولا يمكن فهم هذا التوتر دون الاهتمام بتاريخه - أعني التاريخ الخاص لهذا التوتر. فالتاريخ إذن يمدنا ببعض الحقائق الضرورية، بالمادة الخام للوقائع، يسجل التجربة والخطأ، الذي يلزم لفهم السلوك البشري في الوقت الحاضر.
وأهم من هذا الفائدة التي تعود على من يؤدي منا الواجبات العديدة الهامة في مدنيتنا - تلك الواجبات التي لا تتطلب معرفة التخصص في العلوم الاجتماعية، أو العمل الخلاق في هذه العلوم - الفائدة التي تعود على هؤلاء من معرفة التاريخ، وبخاصة تاريخ الفكر. ويستطيع المرء أن يتخيل مجتمعا تدير فيه قلة من الخبراء شئون الجماهير بمهارة وكفاية - وقد تخيل المستر ألدوس هكسلي في الواقع في قصته «العالم الطريف» مثل هذا المجتمع. كما ابتدع مستر ب. ف. سكنر مجتمعا عبقريا في كتابه «والدن الثانية». فهذا مطمع كثيرا ما يغري أصحاب المزاج الهندسي. غير أن الثمرة التي تنتج من هذه «الهندسة الثقافية» لن تكون مجتمعا «ديمقراطيا». وحتى إن أمكن تحقيق مثل هذا المجتمع - وهو ما أشك فيه - فإن الأمريكان الذين نشئوا في تقاليدنا الوطنية يتعذر عليهم العمل فيه. إننا نلتزم بالحلول الديمقراطية، التلقائية، واسعة الانتشار، لمشكلاتنا، نلتزم بالحلول التي نبلغها بالجدل والقرارات الحرة على نطاق واسع، تلك القرارات التي نصدرها بطريقة من طرق تعداد القرارات الفردية. إن العلماء وهم القلة المبدعة يقدمون الحلول بطبيعة الحال. ولكن الحلول لا تتحقق إلا إذا فهمناها جميعا، ووضعناها موضع التنفيذ لأننا ندركها، ونوافق عليها، ونريدها.
وهنا أيضا نستطيع أن نستضيء بما حدث في العلوم الطبيعية؛ فقد قام علماء الأمراض والوقاية، والأطباء العاملون، بعمل مبدع ولكنهم لم يستطيعوا معه القضاء على بعض الأمراض كالتيفود أو الدفتريا على سبيل المثال. ولكن هذا التقدم العظيم في الصحة العامة في مجتمعنا لم يصبح ممكنا إلا لأن الغالبية الكبرى من الناس في بضع عشرات السنين الأخيرة فهمت - ولو بصورة ناقصة - نظرية الجراثيم في الأمراض، وأرادت أن تمحو المرض، وعاونت بحرية وعن فهم إلى حد كبير في عمل الخبراء.
وليس من شك في أن الخبراء الذين يعملون مع شعوب جاهلة، شعوب تعتنق عن الأمراض عقائد غير التي تعتنقها، قد حققوا شيئا من التقدم في إزالة أمراض مثل التيفود أو الدفتريا. وتقدمت الصحة العامة حتى في الهند وأفريقيا. غير أن سير هذا التقدم كان أبطأ هناك منه عندنا، وأقل ضمانا، لا لشيء سوى أن الخبراء لم يستطيعوا في الواقع أن يشركوا بقية السكان معهم في معارفهم وإنما لجئوا إلى السلطة، والنفوذ، والإغراء، والحيل، لكي يقوموا بالعلاج.
إن الطريقة الناجحة للانتقال من الفكرة في ذهن العبقري إلى أثرها المنتشر بين الناس كافة - وهي موضوع الفقرات القليلة السابقة - هي من المشكلات الكثيرة الهامة التي ما زلنا لا نعرف عنها نسبيا إلا القليل. ومن المؤكد أن هناك مشكلة، وأن العبارة الأخاذة التي تنسب إلى إمرسن وهي: «لو أن إنسانا اخترع مصيدة فئران أفضل مما لدينا، لعبد الناس إلى بابه طريقا.» هي عبارة مضللة في أقل تقدير؛ لأن الطرق لا بد أن تتقاطع، وربما لم ينشأ البتة طريق. إن التطعيم كان لا بد له في أول الأمر أن يكتسب إلى جانبه مهنة الطب، ثم الجمهور، بالرغم من أن طريق انتشاره سهل نسبيا. فما بالك بآراء ماركس؟ ما هي مجموعة الطرق الملتوية التي سارت من المتحف البريطاني إلى الكرملين؟ ويلاحظ هنا أنه حتى بين الخبراء لا يوجد شيء يقرب من الاتفاق العام على حقيقة الآراء الماركسية وقيمتها مما يوجد فيما يتعلق بالتطعيم.
وإذا اهتدى خبراؤنا إلى وسائل العلاج - أو على الأقل لتخفيف - الأمراض الاجتماعية كالحرب، والتدهور، والبطالة، والتضخم، والانحراف، والجريمة، وكل سلسلة الشر الطويلة، لما أفلحوا في أن تكون هذه الوسائل فعالة إلا إذا كانت لدى البقية منا بعض المعرفة بما ينصح به هؤلاء الخبراء. وإذا كان تقدم العلوم الاجتماعية في زماننا ليس كبيرا جدا، وإذا كان لا بد لنا من الاعتماد على نوع القادة ونوع الأفكار التي تتعلق بالكائنات البشرية التي كان لا مناص لأسلافنا من الاعتماد عليها - إذا كان الأمر كذلك لكانت الحاجة أمس إلى أن يكون لدى جميع المواطنين في المجتمع الديمقراطي شيء من المعرفة بتاريخ التفكير. وإذ كان ينقصنا الخبراء في الوقت الحاضر، وركنا إلى الإدراك العام، فلا بد أن يكون هذا الإدراك العام عاما حقا، والتاريخ - كغيره من جميع ضروب الخبرة - مرشد نافع في تكوين الإدراك العام. إنه مرشد، وليس قائدا لا يخطئ ، أو صانع معجزات! فإن أردت المعجزة - وهي بالتأكيد حاجة بشرية - فعليك أن تبحث عنها في غير التاريخ: إن ربة التاريخ «كليو» من الآلهة ذوات القدرة المحدودة.
بعض أنماط تاريخ الفكر
لدينا في الوقت الحاضر في منتصف القرن العشرين سجل كامل مطبوع لما قال الناس وما فعلوا في الماضي، لدينا أصول تعليقات الأجيال المتعاقبة من المؤرخين والنقاد. لدينا من هذا ما لا يستطيع فرد واحد أن يطلع على كل ما يتعلق منه بجانب كبير من جوانب هذا السجل التاريخي. إن حياة واحدة لا تكفي لقراءة كل كلمة لدينا سطرها اليونان القدامى وكل كلمة كتبت عنهم. وعلى كتاب التاريخ وقرائه على السواء أن يختاروا من هذا القدر الكبير مما كتب. وهذه ملاحظة هامة وإن تكن من البديهيات.
والمشكلة الحرجة التي علينا جميعا أن نجابهها هي كيفية الاختيار، وكيفية تمييز المهم من غير المهم. وكيف نتعرف المهم إذا التقينا به. إن الإجابة الكاملة عن مثل هذا السؤال تحتاج إلى كتاب بأسره في منهج البحث للمؤرخ. ويكفينا هنا أن نحاول في إيجاز أن نبرر طريقة الاختيار في هذا الكتاب، وأود قبل هذا أن أبحث في بعض طرق الاختيار الأخرى التي نبذتها.
Página desconocida