16
وما يقال على المكان يقال كثير منه على الزمان، فهما معا طريقتان تميز بهما الملكية الإدراكية موضوعات إدراكها، وكل ما في الأمر أن المكان يدل على وجود إدراكاتنا معا في زمان واحد، والزمان يدل على تلاحق إدراكاتنا في موقع واحد من المكان؛ أي إن كلا من الفكرتين تعتمد في تصورها اعتمادا أساسيا على الأخرى، والتصور الجامع بين الزمان والمكان هو الحركة؛ أي تغير المكان مع تغير الزمان؛ ومن هنا كانت الحركة في رأي بيرسن هي الطريقة الأساسية التي تتمثل لنا بها الظواهر ذهنيا. وكانت الأفكار التي نصف بواسطتها تغير المكان والزمان في ظاهرة الحركة أفكارا هندسية، أو قوالب نميز بها ونصف محتويات تجربتنا الإدراكية الحسية التي تندرج كلها تحت ظاهرة «الحركة» المعقدة، فعلم هندسة الحركة هو بدوره وصف ذهني أو تصوري لما يحدث في عالم المدركات الحسية من تغيرات، نستخدم فيه مفاهيم فكرية كمفهوم السرعة
Velocity
والعجلة
acceleration
والدوران
rotation ... إلخ، وإذن فما يطلق عليه اسم «حركة الأجسام» ليس حقيقة من حقائق الإدراك الحسي، وإنما هو طريقة ذهنية أو تصورية نصف بها التغيرات التي تطرأ على مجموعات الانطباعات الحسية. (8) المادة
ينظر بيرسن إلى المادة
matter
على أنها بدورها مفهوم تصوري أو ذهني، يستخدم في وصف انطباعاتنا الحسية، ولا يطابقه وجود فعلي في الخارج. أما المادة التي يشيع وصفها بأنها علة الانطباعات الحسية فهي - في رأيه - كيان ميتافيزيقي لا معنى له من وجهة نظر العلم، وفكرة لا تقل عمقا عن أي «شيء في ذاته» وعن أي إسقاط آخر للمعاني البشرية في مجال ما بعد المحسوس، سواء أكان هو «القوة» أم «العقل اللامتناهي» أم «الإرادة» ... إلخ.
Página desconocida