34

ويحدث بعدي للخليل خليل (29) الأصمعي (122-216ه)

هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب، وأصمع جده الخامس، وينتهي نسبه إلى مضر بن نزار بن معد، وهو من أهل البصرة، وقدم بغداد في خلافة هارون الرشيد ثم عاد إلى البصرة، ولما كانت خلافة المأمون دعاه إليه فلم يجب، واحتج بكبر سنه وضعف قوته، فكان المأمون يجمع المشكل من المسائل ويرسلها إليه ليجيب عنها.

وقد كان الأصمعي إماما في اللغة والغرائب والملح، كثير الحفظ قوي الذاكرة حتى قال بعضهم: إنه كان يحفظ ستة عشر ألف أرجوزة، وقد ألف نحو الأربعين كتابا أغلبها في اللغة وما يختص بها.

ومما يحكى عنه أنه اجتمع مع أبي عبيدة عند الفضل بن الربيع وقد ألف كل منهما كتابا في الخيل، فسئل الأصمعي عن كتابه، فقال: هو مجلد واحد، وسئل أبو عبيدة عن كتابه، فقال: خمسون مجلدا، فقيل له: قم إلى هذا الفرس وأمسك كل عضو منه وسمه، فقال: لست بيطارا وإنما أخذت هذا عن العرب، فقيل للأصمعي: قم أنت وافعل، فقام وجعل يضع يده على كل عضو ويسميه وينشد ما قالت العرب فيه، فلما فرغ أعطي الفرس، ويقال إنه كان إذا أراد إغاظة أبي عبيدة يأتي إليه راكبا تلك الفرس. وتوفي سنة 216 بالبصرة. (30) أبو تمام (188-231ه)

اسمه حبيب بن أوس بن الحارث، ينتهي نسبه إلى طيئ، ولد سنة 188، ونشأ بمصر، وقد قيل إنه كان يسقي الماء بالجرة في جامع مصر، وقيل: كان يخدم حائكا ويعمل عنده، ثم اشتغل وتنقل إلى أن صار واحد عصره في ديباجة لفظه وفصاحة شعره وحسن أسلوبه، وكان له من المحفوظات ما لا يلحقه فيه غيره، حتى قيل إنه كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب غير المقاطيع والقصائد، وله كتاب «الحماسة» الذي دل على غزارة فضله وإتقان معرفته وحسن اختياره، وله مجموع سماه «فحول الشعراء» جمع فيه طائفة كثيرة من شعراء الجاهلية والمخضرمين والإسلاميين. وتوفي سنة 231 هجرية. (31) الإمام أحمد بن حنبل (164-241ه)

هو أحمد بن محمد بن حنبل، ينتهي نسبه إلى عدنان، ولد في بغداد سنة 164، وكان إمام المحدثين، صنف كتابه «المسند» وجمع فيه من الحديث ما لم يتفق لغيره، وكان يحفظ أحاديث كثيرة، وكان صاحب الإمام الشافعي - رضي الله عنه - ومن خواصه، ولم يزل مصاحبه إلى أن ارتحل الشافعي إلى مصر، وقال في حقه: خرجت من بغداد وما خلفت بها أتقى ولا أفقه من ابن حنبل. ودعي إلى القول بخلق القرآن فلم يجب؛ فضرب وحبس وهو مصر على الامتناع. أخذ عنه الحديث جماعة من الأماثل، منهم محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري، ولم يكن في آخر عصره مثله في العلم والورع . توفي سنة 241 ببغداد. (32) البخاري (194-256ه)

هو أبو عبد الله محمد بن أبي الحسن البخاري، الحافظ الإمام في علم الحديث صاحب «الجامع الصحيح» و«التاريخ»، رحل في طلب الحديث إلى أكثر محدثي الأمصار، وكتب بخراسان والجبال ومدن العراق والحجاز والشام ومصر، وقدم بغداد واجتمع إليه أهلها، واعترفوا بفضله، وشهدوا بتفرده في علم الرواية والدراية. وحكى أبو عبد الله الحميدي في كتاب «جذوة المقتبس» والخطيب في «تاريخ بغداد» أن البخاري لما قدم بغداد سمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مئة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وأعطوها لعشرة أنفس، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، وقد حضره كثير من أصحاب الحديث، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه واحد من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال: لا أعرفه، ثم سأله عن آخر، فقال: لا أعرفه أيضا، وهكذا حتى انتهى الجميع، فلما علم البخاري أنهم فرغوا التفت إلى الأول منهم وقال له: أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الولاء حتى أتم العشرة، وفعل بالآخرين كذلك ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها، فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل، وروى عنه أبو عيسى الترمذي. وولد سنة 194 وتوفي سنة 256. (33) مسلم (206-261ه)

هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري صاحب «الصحيح»، أحد الأئمة الحفاظ وأعلام المحدثين، رحل إلى الحجاز والعراق والشام ومصر، وسمع يحيى بن يحيى النيسابوري وأحمد بن حنبل وغيرهما، وقدم بغداد غير مرة فروى عنه أهلها، وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم في علم الحديث. وتوفي مسلم المذكور سنة 261 بنيسابور وعمره خمس وخمسون سنة، وقال ابن الصلاح إنه ولد سنة 202. (34) ابن الرومي (221-284ه)

هو أبو الحسن علي بن العباس الشاعر المشهور، صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب، يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكامنها ويبرزها في أحسن قالب، وكان إذا أخذ المعنى لا يزال يستقصي فيه حتى لا يدع فيه فضلة ولا بقية. ومن كلامه وهو في مرض موته، وكان الطبيب يتردد إليه ويعالجه بالأدوية النافعة فزعم أنه غلط في بعض العقاقير، قوله:

غلط الطبيب علي غلطة مورد

Página desconocida